مستأنف في موقع التعليل لما قبله ويعضده قراءة من قرأ لا يضيركم أي لا يضركم ضلال من ضل إذا كنتم مهتدين ولا يتوهمن أن فيه رخصة في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع استطاعتهما كيف لا ومن جملة الاهتداء أن ينكر على المنكر حسبما تفي به الطاقة قال صلى الله عليه وسلم من رأى منكم منكرا فاستطاع أن يغيره فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وقد روي أن الصديق رضي الله تعالى عنه قال يوما على المنبر يا أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية وتضعونها غير موضعها ولا تدرون ما هي وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الناس إذا رأو منكرا فلم يغيروه عمهم الله بعقاب فأمروا بالمعروف وأنهوا عن المنكر ولا تغتروا بقول الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا إلخ فيقول أحدكم على نفسي والله لتأمرن بالمعروف وتنهون عن المنكر أو ليستعلمن الله عليكم شراركم فيسومونكم سوء العذاب ثم ليدعون خياركم فلا يستجاب لهم وعنه صلى الله عليه وسلم ما من قوم عمل فيهم منكر أو سن فيهم قبيح فلم يغيروه ولم ينكروه إلا وحق على الله تعالى أن يعمهم بالعقوبة جميعا ثم لا يستجاب لهم والآية نزلت لما كان المؤمنون يتحسرون على الكفرة وكانوا يتمنون إيمانهم وهم من الضلال بحيث لا يكادون يرعوون عنه بالأمر والنهي وقيل كان الرجل إذا اسلم لاموه وقالوا له سفهت آباءك وضللتهم أي نسبتهم إلى السفاهة والضلال فنزلت تسلية له بأن ضلال آبائه لا يضره ولا يشينه «إلى الله» لا إلى أحد سواه «مرجعكم» رجوعكم يوم القيامة «جميعا» بحيث لا يتخلف عنه أحد من المهتدين وغيرهم فينبئكم بما كنتم تعملون «في الدنيا» من أعمال الهداية والضلال فهو وعد ووعيد للفريقين وتنبيه على أن أحدا لا يؤاخذ بعمل غيره «يا أيها الذين آمنوا» استئناف مسوق لبيان الأحكام المتعلقة بأمور دنياهم إثر بيان الأحوال المتعلقة بأمور دينهم وتصديره بحر في النداء والتنبيه لإظهار كمال العناية بمضمونه وقوله عز وجل «شهادة بينكم» بالرفع والإضافة إلى الظرف توسعا إما باعتبار جريانها بينهم أو باعتبار تعلقها بما يجري بينهم من الخصومات مبتدأ وقوله تعالى «إذا حضر أحدكم الموت» أي شارفه وظهرت علائمه ظرف لها وتقديم المفعول لإفادة كمال تمكن الفاعل عند النفس وقت وروده عليها فإنه أدخل في تهوين أمر الموت وقوله تعالى «حين الوصية» بدل منه لا ظرف للموت كما توهم ولا لحضوره كما قيل فإن في الإبدال تنبيها على أن الوصية من المهمات المقررة التي لا ينبغي أن يتهاون بها المسلم ويذهل عنها وقوله تعالى «اثنان» خبر للمبتدأ بتقدير المضاف أي شهادة بينكم حينئذ شهادة اثنين أو فاعل شهادة بينكم على أن خبرها محذوف أي فيما نزل عليكم أن يشهد بينكم اثنان وقرئ شهادة بالرفع والتنوين والإعراب كما سبق وقرئ شهادة بالنصب
(٨٨)