السلام فإنه ليس بخطاب وإنما هو حكاية خطاب بل لأن الخطاب لمن خوطب بقوله تعالى واتقوا الله الآية فتأمل كأنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم عقيب حكاية ما صدر عن الحواريين من المقالة المعدودة من نعم الله تعالى الفائضة على عيسى عليه السلام اذكر للناس وقت قولهم الخ وقيل هو ظرف لقالوا أريد به التنبيه على أن ادعاءهم الإيمان والإخلاص لم يكن عن تحقيق وإيقان ولا يساعده النظم الكريم «يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء» اختلف في أنهم هل كانوا مؤمنين أو لا فقيل كانوا كافرين شاكين في قدرة الله تعالى على ما ذكروا وفي صدق عيسى عليه السلام كاذبين في دعوى الإيمان والإخلاص وقيل كانوا مؤمنين وسؤالهم للاطمئنان والتثبت لا لإزاحة الشك وهل يستطيع سؤال عن الفعل دون القدرة عليه تعبيرا عنه بلازمه وقيل الاستطاعة على ما تقتضيه الحكمة والإرادة لا على ما تقتضيه القدرة وقيل المعنى هل يطيع ربك بمعنى هل يجيبك واستطاع بمعنى أطاع كاستجاب بمعنى أجاب وقرئ هل تستطيع ربك أي سؤال ربك والمعنى هل تسأله ذلك من غير صارف يصرفك عنه وهي قراءة علي وعائشة وابن عباس ومعاذ رضي الله عنهم وسعيد بن جبير في آخرين والمائدة الخوان الذي عليه الطعام من مادة إذا أعطاه ورفده كأنها تميد من تقدم إليه ونظيره قولهم شجرة مطعمة وقال أبو عبيد هي فاعلة بمعنى مفعول كعيشة راضية «قال» استئناف مبني على سؤال ناشىء مما قبله كأنه قيل فماذا قال لهم عيسى عليه السلام حين قالوا ذلك فقيل قال «اتقوا الله» أي من أمثال هذا السؤال «إن كنتم مؤمنين» أي بكمال قدرته تعالى وبصحة نبوتي أو إن صدقتم في ادعاء الإيمان والإسلام فإن ذلك مما يوجب التقوى والاجتناب عن أمثال هذه الاقتراحات وقيل أمرهم بالتقوى ليصير ذلك ذريعة لحصول المسؤول كقوله تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة «قالوا» استئناف كما سبق «نريد أن نأكل منها» تمهيد عذر وبيان لما دعاهم إلى السؤال أي لسنا نريد بالسؤال إزاحة شبهتنا في قدرته سبحانه على تنزيلها أو في صحة نبوتك حتى يقدح ذلك في الإيمان والتقوى بل نريد أن نأكل منها أي أكل تبرك وقيل أكل حاجة وتمتع «وتطمئن قلوبنا» بكمال قدرته تعالى وإن كنا مؤمنين به من قبل فإن انضمام علم المشاهدة إلى العلم الاستدلالي مما يوجب ازدياد الطمأنينة وقوة اليقين «ونعلم» أي علما يقينيا لا يحوم حوله شائبة شبهة أصلا وقرئ ليعلم على البناء للمفعول «أن قد صدقتنا» أن هي المخففة من أن وضمير الشأن محذوف أي ونعلم أنه قد صدقتنا في دعوى النبوة وأن الله يجيب دعوتنا وإن كنا عالمين بذلك من قبل «ونكون عليها من الشاهدين» نشهد عليها عند الذين لم يحضروها من بني إسرائيل ليزداد المؤمنون منهم بشهادتنا طمأنينة ويقينا ويؤمن بسببها كفارهم أو من الشاهدين للعين دون السامعين للخبر وعليها متعلق بالشاهدين إن جعل اللام للتعريف وبيان لما يشهدون عليه
(٩٧)