الجنايات الصادرة عنهم لا تكاد تتناهى خلا أن انحصار ما حكي عنهم ههنا في المرتين وترتبه على حكاية ما فعلوا بالرسل عليهم السلام يقضي بأن المراد ما ذكرناه والله عنده علم الكتاب وقرئ عموا وصموا بالضم على تقدير عماهم الله وصمهم أي رماهم وضربهم بالعمى والصمم كما يقال نزكته إذا ضربته بالنيزك وركبته إذا ضربته بركبتك وقوله تعالى «كثير منهم» بدل من الضمير في الفعلين وقيل خبر مبتدأ محذوف أي أولئك كثير منهم «والله بصير بما يعملون» اي بما عملوا وصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية استحضارا لصورتها الفظيعة ورعاية للفواصل والجملة تذييل أشير به إلى بطلان حسبانهم المذكور ووقوع العذاب من حيث لم يحتسبوا إشارة إجمالية اكتفى بها تعويلا على ما فصل نوع تفصيل في سورة بني إسرائيل والمعنى حسبوا أن لا يصيبهم عذاب ففعلوا ما فعلوا من الجنايات العظيمة المستوجبة لأشد العقوبات والله بصير بتفاصيلها فكيف لا يؤاخذهم بها ومن اين لهم ذلك الحسبان الباطل ولقد وقع ذلك في المرة الأولى حيث سلط الله تعالى بخت نصر عامل لهراسب على بابل وقيل جالوت الجزري وقيل سنجاريب من أهل نينوى والأول هو الأظهر فاستولى على بيت المقدس فقتل من أهله أربعين ألفا ممن يقرأ التوراة وذهب بالبقية إلى أرضه فبقوا هناك على أقصى ما يكون من الذل والنكد إلى أن أحدثوا توبة صحيحة فردهم الله عز وجل إلى ما حكي عنهم من حسن الحال ثم عادوا إلى المرة الآخرة من الإفساد فبعث الله تعالى عليهم الفرس فغزاهم ملك بابل من ملوك الطوائف اسمه خيدرود وقيل خيدروس ففعل بهم ما فعل قيل دخل صاحب الجيش مذبح قرابينهم فوجد فيه دما يغلي فسألهم فقالوا دم قربان لم يقبل منا فقال ما صدقوني فقتل عليه ألوفا منهم ثم قال إن لم تصدقوني ما تركت منكم أحدا فقالوا إنه دم يحيى عليه السلام فقال بمثل هذا ينتقم الله تعالى منكم ثم قال يحيى قد علم ربي وربك ما أصاب قومك من أجلك فاهدأ باذن الله تعالى قبل أن لا أبقي أحدا منهم فهدأ «لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم» شروع في تفصيل قبائح النصارى وإبطال أقوالهم الفاسدة بعد تفصيل قبائح اليهود وهؤلاء هم الذين قالوا إن مريم ولدت إلها قيل هم الملكانية والمار يعقوبية منهم وقيل هم اليعقوبية خاصة قالوا ومعنى هذا أن الله تعالى حل في ذات عيسى واتحد بذاته تعالى عن ذلك علوا كبيرا «وقال المسيح» حال من فاعل قالوا بتقدير قد مفيده لمزيد تقبيح حالهم ببيان تكذيبهم للمسيح وعدم انزجارهم عما اصروا عليه بما أوعدهم به أي قالوا ذلك وقد قال المسيح مخاطبا لهم «يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم» فإني عبد مربوب مثلكم فاعبدوا خالقي وخالقكم «أنه» اي الشأن «من يشرك بالله» اي شيئا في عبادته أو فيما يختص به من صفات الألوهية «فقد حرم الله عليه الجنة» فلن يدخلها أبدا كما لا يصل المحرم عليه إلى
(٦٥)