على وضع المظهر موضع المضمر للإيذان بأن مدار التوبيخ أمن كل طائفة ما أتاهم من البأس لا أمن مجموع الأمم فإن مل طائفة منهم أصابهم باس خاص بهم لا يتعداهم إلى غيرهم كما سيأتي والهمزة لإنكار الواقع واستقباحه لا لإنكار الوقوع ونفيه كما قاله أبو شامة وغيره لقوله تعالى للا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون والفاء للعطف على أخذناهم وما بينهما اعتراض توسط بينهما للمسارعة إلى بيان أن الأخذ المذكور مما كسبته أيديهم والمعنى أبعد ذلك الأخذ أمن أهل القرى «أن يأتيهم بأسنا بياتا» أي تبييتا أو وقت بيات أن مبيتا أو مبيتين وهو في الأصل مصدر بمعنى البيتوتة ويجىء بمعنى التبييت السلام بمعنى التسليم «وهم نائمون» حال من ضميرهم البارز أو المستتر في بياتا «أو أمن أهل القرى» إنكار بعد إنكار للمبالغة في التوبيخ الشديد ولذلك لم يقل أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون أو ضحى وهم يلعبون وقرئ أو بسكون الواو على الترديد «أن يأتيهم بأسنا ضحى» أي ضحوة النهار وهو في الأصل ضوء الشمس إذا ارتفعت «وهم يلعبون» أي يلهون من فرط الغفلة أو يشتغلون بما لا ينفعهم كأنهم يلعبون «أفأمنوا مكر الله» تكرير للنكير لزيادة التقرير ومكر الله تعالى استعارة لاستدراجه العبد وأخذه من حيث لا يحتسب والمراد به بيان إتيان بأسه تعالى في الوقتين المذكورين ولذلك عطف الأول والثالث بالفاء في الإنكار فيهما متوجه إلى ترتب الأمن على الأخذ المذكور وأما الثاني فمن تتمة الأول «فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون» أي الذين خسروا أنفسهم وأضاعوا فطرة الله التي فطر الناس عليها والاستعداد القريب المستفاد من النظر في الآيات «أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها» أي يخلفون من خلا قبلهم من الأمم المهلكة ويرثون ديارهم والمراد بهم أهل مكة ومن حولها وتعدية فعل الهداية باللام إما لتنزيلها منزلة اللازم كأنه قيل اغفلوا ولم يفعل الهداية لهم الخ وإما لأنها بمعنى التبيين والمفعول محذوف والفاعل على التقديرين هو الجملة الشرطية أي أولم يبين لهم مآل أمرهم «أن لو نشاء أصبناهم» بذنوبهم أي أن الشأن لو نشأ أصبناهم بجزاء ذنوبهم أو بسبب ذنوبهم كما أصبنا من قبلهم وقرئ نهد بنون العظمة فالجملة مفعوله «ونطبع على قلوبهم» عطف على ما يفهم من قوله تعالى أو لم يهد كأنه قيل لا يهتدون أو يغفلون عن الهداية أو عن التفكر والتأمل أو منقطع عنه بمعنى ونحن نطبع ولا يجوز عطفه على أصبناهم على أنه بمعنى طبعنا لإفضائه إلى نفي الطبع عنهم لأنه في سياق جواب لو «فهم لا يسمعون» أي أخبار الأمم المهلكة فضلا عن التدبر والنظر فيها والاغتنام بما في تضاعيفها من الهداية
(٢٥٤)