بالذات أو بالواسطة من الحكم الموجب أو المنفي على كل حال مفروض من الأحوال المقارنة له على الإجمال بإدخالها على أبعدها منه وأشدها منافاة له ليظهر بثبوته أو انتفائه معه ثبوته أو انتفاؤه مع ما عداه من الأحوال بطريق الأولوية لما أن الشيء متى تحقق مع المنافي القوي فلأن يتحقق مع غيره أولى ولذلك لا يذكر معه شيء من سائر الأحوال ويكتفي عنه بذكر الواو العاطفة للجملة على نظيرتها المقابلة لها الشاملة لجميع الأحوال المغايرة لها عند تعددها وهذا معنى قولهم إنها لاستقصاء الأحوال على سبيل الإجمال وهذا المعنى ظاهر في الخبر الموجب والمنفي والأمر والنهي كما في قولك فلان جواد يعطي ولو كان فقيرا أو بخيل لا يعطي ولو كان غنيا وكقولك أحس غليه ولو أساء إليك ولا تهنه ولو أهانك لبقائه على حاله سالما عما يغيره وأما فيما نحن فيه ففيه نوع خفاء لتغيره بورود الإنكار عليه لكن الأصل في الكل واحد إلا أن كلمة لو في الصور المذكورة متعلقة بنفس الفعل المذكور قبلها وأن ما يقصد بيان تحققه على كل حال هو نفس مدلوله وأن الجملة حال من ضميره أو مما يتعلق به وأن ما في حيز لو مقرر على ما هو عليه من الاستبعاد بخلاف ما نحن فيه لما أن كلمة لو متعلقة فيه بفعل مقدر يقتضيه المذكور وأن ما يقصد بيان تحققه على كل حال هو مدلوله لا مدلول المذكور وأن الجملة حال من ضميره لا من ضمير المذكور كما سيأتي وأن المقصود الأصلي إنكار مدلوله من حيث مقارنته للحالة المذكورة وأما تقدير مقارنته لغيرها فلتوسيع الدائرة وأن ما في حيز لو لا يقصد استبعاده في نفسه بل يقصد الإشعار بأنه أمر مقرر إلا أنه أخرج مخرج الاستبعاد مبالغة في الإنكار من جهة أن العود مما ينكر عند كون الكراهة أمرا مستبعدا فكيف به عند كونها أمرا محققا ومعاملة مع المخاطبين على معتقدهم لاستنزالهم من رتبة العناد وليس المراد بالكراهة مجرد كراهة المؤمنين للعود في ملة الكفر ابتداء حتى يقال إنها معلومة لهم فكيف تكون مستبعدة عندهم بل إنما هي كراهتهم له بعد وعيد الإخراج الذي جعل قرينا للقتل في قوله تعالى ولو أنا كتبنا الآية فإنهم كانوا يستبعدونها ويطمعون في أنهم حينئذ يختارون العود خشية الإخراج غذ رب مكروه يختار عند حلول ما هو أشد منه وأفظع والتقدير أنعود فيها لو لم نكن كارهين ولو كنا كارهين غير مبالين بالإكراه فالجملة في محل النصب على الحالية من ضمير الفعل المقدر حسبما أشير إليه إذ مآله أنعود فيها حال عدم الكراهة وحال الكراهة إنكارا لما تفيده كلمتهم الشنيعة بإطلاقها من العود على أي حالة كانت غير أنه اكتفى بذكر الحالة الثانية التي هي أشد الأحوال منافاة للعود وأكثرها بعدا منه تنبيها على أنها هي الواقعة في نفس الأمر وثقة بإغنائها عن ذكر الأولى إغناء واضحا لأن العود الذي تعلق به الإنكار حين تحقق مع الكراهة على ما يوجبه كلامهم فلأن يتحقق مع عدمها أولى إن قلت النفي المستفاد من الاستفهام الإنكاري فيما نحن فيه بمنزلة صريح النفي ولا ريب في أن الأولوية هناك معتبرة بالنسبة إلى النفي ألا يرى أن الأولى بالتحقق فيما ذكر من مثال النفي عند الحالة المسكوت عنها أعني عدم الغنى هو عدم الإعطاء لا نفسه فكان ينبغي أن يكون الأولى بالتحقق فيما نحن فيه عند عدم الكراهة عدم العود لا نفسه إذ هو الذي يدل عليه قولنا أنعود لأنه في معنى لا نعود فلم اختلف الحال بينهما قلت لما أن مناط الأولوية هو الحكم
(٢٤٩)