وقائع الرسل المذكورين أو من بعد هلاك الأمم المحكية والتصريح بذلك مع دلالة ثم على التراخي للإيذان بأن بعثه عليه الصلاة والسلام جرى على سنن السنة الإلهية من إرسال الرسل تترى وتقديم الجار والمجرور على المفعول الصريح لما مر مرارا من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر «بآياتنا» متعلق بمحذوف وقع حالا من مفعول بعثنا أو صفة لمصدره أي بعثناه عليه الصلاة والسلام ملتبسا بآياتنا أو بعثناه بعثا ملتبسا بها وهي الآيات التسع المفصلات التي هي العصا واليد البيضاء والسنون ونقص الثمرات والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم حسبما سيأتي على التفصيل «إلى فرعون» هو لقب لكل من ملك مصر من العمالقة كما أن كسرى لقب لكل من ملك فارس وقيصر لكل من ملك الروم واسمه قابوس وقيل الوليد بن مصعب بن ريان «وملئه» أي أشراف قومه وتخصيصهم بالذكر مع عموم رسالته عليه الصلاة والسلام لقومه كافة حيث كانوا جميعا مأمورين بعبادة رب العالمين عز سلطانه وترك العظيمة الشنعاء التي كان يدعيها الطاغية ويقبلها منه فئته الباغية لأصالتهم في تدبير الأمور واتباع غيرهم لهم في الورود والصدور «فظلموا بها» أي كفروا بها أجري الظلم مجرى الكفر لكونهما من واد واحد أو ضمن معنى الكفر أو التكذيب أي ظلموا كافرين بها أو مكذبين بها أو كفروا بها مكان الإيمان الذي هو من حقها لوضوحها ولهذا المعنى وضع ظلموا موضع كفروا وقيل ظلموا أنفسهم بسببها بأن عرضوها للعذاب الخالد أو ظلموا الناس بصدهم عن الإيمان بها والمراد به الاستمرار على الكفر بها إلى أن لقوا من العذاب ما لقوا ألا يرى إلى قوله تعالى «فانظر كيف كان عاقبة المفسدين» فكما أن ظلمهم بها مستتبع لتلك العاقبة الهائلة كذلك حكاية ظلمهم بها مستتبع للأمر بالنظر إليها وكيف خبر كان قدم على اسمها لاقتضائه الصدارة والجملة في حيز النصب بإسقاط الخافض أي فانظر بعين عقلك إلى كيفية ما فعلنا بهم ووضع المفسدين موضع ضميرهم للإيذان بأن الظلم مستلزم للإفساد «وقال موسى» كلام مبتدأ مسوق لتفصيل ما أجمل فيما قبله من كيفية إظهار الآيات وكيفية عاقبة المفسدين «يا فرعون إني رسول» أي إليك «من رب العالمين» على الوجه الذي مر بيانه «حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق» جواب عما ينساق إليه الذهن من حكاية ظلمهم بالآيات من تكذيبه إياه عليه الصلاة والسلام في دعوى الرسالة وكان أصله حقيق على أن لا أقول الخ كما هو قراءة نافع فقلب للأمن من الإلباس كما في قول وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر أو لأن ما لزمك فقد لزمته أو للإغراق في الوصف بالصدق والمعنى واجب على القول الحق أن أكون أنا قائله لا يرضى إلا بمثلي ناطقا به أو ضمن حقيق معنى حريص أو وضع على موضع الباء لإفادة التمكن كقولهم
(٢٥٧)