بالاعتذار الباطل والإيمان الفاجر «فاستغفروا الله» بالتوبة والإخلاص وبالغوا في التضرع إليك حتى انتصبت شفيعا لهم إلى الله تعالى واستغفرت لهم وإنما قيل «واستغفر لهم الرسول» على طريقة لالتفات تفخيما لشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيما لاستغفاره وتنبيها على أن شفاعته في حيز القبول «لوجدوا الله توابا رحيما» لعلموه مبالغا في القبول توبتهم والتفضل عليهم بالرحمة وإن فسر الوجدان بالمصادفة كان قوله تعالى توابا حالا ورحيما بدل منه أو حالا من الضمير فيه وأيا ما كان ففيه فضل ترغيب للسامعين في المسارعة إلى التوبة والاستغفار ومزيد تنديم لأولئك المنافقين على ما صنعوا لما أن ظهور تباشير قبول التوبة وحصول الرحمة لهم ومشاهدتهم لآثارهما نعمة زائدة عليهما موجبة لكمال الرغبة في تحصيلها وتمام الحسرة على فواتها «فلا وربك» أي فوربك ولا مزيده لتأكيد معنى القسم لا لتأكيد النفي في جوابه أعنى قوله «لا يؤمنون» لأنها تزاد في الإثبات أيضا كما في قوله تعالى «فلا أقسم بمواقع النجوم» ونظائره «حتى يحكموك» أي يتحاكموا إليك ويترافعوا إليك وإنما جئ بصيغة التحكيم مع أنه صلى الله عليه وسلم حاكم بأمر الله سبحانه إيذانا بان حقهم أن يجعلوه حكما فيما بينهم ويرضوا بحكمه وإن قطع النظر عن كونه حاكما على الإطلاق «فيما شجر بينهم» أي فيما اختلف بينهم من الأمور واختلط ومنه الشجر لتداخل أغصانه «ثم لا يجدوا» عطف على مقدر ينساق إليه الكلام اى فتقضى بينهم ثم لا يجدوا «في أنفسهم حرجا» ضيقا «مما قضيت» أي مما قضيت به أو من قضائك وقيل شكا من أجله إذا الشاك في ضيق من أمره «ويسلموا» أي ينقادوا لأمرك ويذعنوا له «تسليما» تأكيد للفعل بمنزلة تكريره أي تسليما تاما بظاهرهم وباطنهم يقال سلم لأمر الله وأسلم له بمعنى وحقيقته سلم نفسه له إذا جعلها سالمة له خالصة أي ينقادوا لحكمك انقيادا لا شبهة فيه بظاهرهم وباطنهم وقيل نزلت في شأن المنافق واليهودي وقيل في شان الزبير ورجل من الأنصار حين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج من الحرة كانا يسقيان بها النخل فقال صلى الله عليه وسلم اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك فغضب الأنصاري وقال لأن كان ابن عمتك فتغير وجه رسول الله ثم قال اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر واستوف حقك ثم أرسله إلى جارك كان قد أشار على الزبير برأي فيه سعة له ولخصمه فلما أحفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم مستوعب للزبير حقه في صريح الحكم ثم خرجا فمرا على المقدار بن السود فقال لمن القضاء فقال الأنصاري قضى لابن عمته ولوى شدقه ففطن يهودي كان مع المقداد فقال قاتل الله هؤلاء يشهدون أنه رسول الله ثم يتهمونه في قضاء يقضى بينهم وأيم الله لقد اذنبنا ذنبا مرة في حياة موسى فدعانا إلى التوبة منه وقال اقتلوا أنفسكم ففعلنا فبلغ قتلانا سبعين ألفا في طاعة ربنا حتى رضى عنا فقال ثابت بن قيس بن شماس اما والله إن الله ليعلم منى الصدق لو أمرني محمد أن اقتل نفسي لقتلتها وروى انه قال ذلك ثابت وابن مسعود وعمار بن ياسر
(١٩٧)