تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٢ - الصفحة ١٩٧
بالاعتذار الباطل والإيمان الفاجر «فاستغفروا الله» بالتوبة والإخلاص وبالغوا في التضرع إليك حتى انتصبت شفيعا لهم إلى الله تعالى واستغفرت لهم وإنما قيل «واستغفر لهم الرسول» على طريقة لالتفات تفخيما لشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيما لاستغفاره وتنبيها على أن شفاعته في حيز القبول «لوجدوا الله توابا رحيما» لعلموه مبالغا في القبول توبتهم والتفضل عليهم بالرحمة وإن فسر الوجدان بالمصادفة كان قوله تعالى توابا حالا ورحيما بدل منه أو حالا من الضمير فيه وأيا ما كان ففيه فضل ترغيب للسامعين في المسارعة إلى التوبة والاستغفار ومزيد تنديم لأولئك المنافقين على ما صنعوا لما أن ظهور تباشير قبول التوبة وحصول الرحمة لهم ومشاهدتهم لآثارهما نعمة زائدة عليهما موجبة لكمال الرغبة في تحصيلها وتمام الحسرة على فواتها «فلا وربك» أي فوربك ولا مزيده لتأكيد معنى القسم لا لتأكيد النفي في جوابه أعنى قوله «لا يؤمنون» لأنها تزاد في الإثبات أيضا كما في قوله تعالى «فلا أقسم بمواقع النجوم» ونظائره «حتى يحكموك» أي يتحاكموا إليك ويترافعوا إليك وإنما جئ بصيغة التحكيم مع أنه صلى الله عليه وسلم حاكم بأمر الله سبحانه إيذانا بان حقهم أن يجعلوه حكما فيما بينهم ويرضوا بحكمه وإن قطع النظر عن كونه حاكما على الإطلاق «فيما شجر بينهم» أي فيما اختلف بينهم من الأمور واختلط ومنه الشجر لتداخل أغصانه «ثم لا يجدوا» عطف على مقدر ينساق إليه الكلام اى فتقضى بينهم ثم لا يجدوا «في أنفسهم حرجا» ضيقا «مما قضيت» أي مما قضيت به أو من قضائك وقيل شكا من أجله إذا الشاك في ضيق من أمره «ويسلموا» أي ينقادوا لأمرك ويذعنوا له «تسليما» تأكيد للفعل بمنزلة تكريره أي تسليما تاما بظاهرهم وباطنهم يقال سلم لأمر الله وأسلم له بمعنى وحقيقته سلم نفسه له إذا جعلها سالمة له خالصة أي ينقادوا لحكمك انقيادا لا شبهة فيه بظاهرهم وباطنهم وقيل نزلت في شأن المنافق واليهودي وقيل في شان الزبير ورجل من الأنصار حين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج من الحرة كانا يسقيان بها النخل فقال صلى الله عليه وسلم اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك فغضب الأنصاري وقال لأن كان ابن عمتك فتغير وجه رسول الله ثم قال اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر واستوف حقك ثم أرسله إلى جارك كان قد أشار على الزبير برأي فيه سعة له ولخصمه فلما أحفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم مستوعب للزبير حقه في صريح الحكم ثم خرجا فمرا على المقدار بن السود فقال لمن القضاء فقال الأنصاري قضى لابن عمته ولوى شدقه ففطن يهودي كان مع المقداد فقال قاتل الله هؤلاء يشهدون أنه رسول الله ثم يتهمونه في قضاء يقضى بينهم وأيم الله لقد اذنبنا ذنبا مرة في حياة موسى فدعانا إلى التوبة منه وقال اقتلوا أنفسكم ففعلنا فبلغ قتلانا سبعين ألفا في طاعة ربنا حتى رضى عنا فقال ثابت بن قيس بن شماس اما والله إن الله ليعلم منى الصدق لو أمرني محمد أن اقتل نفسي لقتلتها وروى انه قال ذلك ثابت وابن مسعود وعمار بن ياسر
(١٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 (3 - سورة آل عمران) 2
2 قوله تعالى: قل أنبئكم بخير من ذلكم اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار. 15
3 قوله تعالى: إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين. 25
4 قوله تعالى: فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله 40
5 (الجزء الرابع) قوله تعالى: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل نفسه من قبل أن تنزل التوراة 58
6 قوله تعالى: من أهل الكتاب أمة قائمة يتلوا آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. 72
7 قوله تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين. 85
8 قوله تعالى: إذ تصعدون ولا تتلون على أحد والرسول يدعوكم. 100
9 قوله تعالى: لتبلون في أموالكم وأنفسكم 123
10 (4 - سورة النساء) قوله تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي من نفس واحدة. 137
11 قوله تعالى: ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد. 151
12 (الجزء الخامس) قوله تعالى: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم. 163
13 قوله تعالى: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. 175
14 قوله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها. 201
15 قوله تعالى: فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا. 212
16 قوله تعالى: ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة. 224
17 قوله تعالى: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس. 232
18 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط. 242
19 (الجزء السادس) قوله تعالى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم. 247
20 قوله تعالى: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده. 254