سبب النزول مع ما فيه من الإشارة إلى أن طاعته صلى الله عليه وسلم متضمنة لطاعتهم لاشتمال شريعته على شرائعهم التي لا تتغير بتغير الأعصار روى أن نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا يا نبي الله إن صرنا إلى الجنة تفضلنا بدرجات النبوة فلا نراك وقال الشعبي جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله وهو يبكي فقال ما يبكيك يا فلان فقال يا رسول الله بالله الذي لا إله إلا هو لأنت أحب إلي من نفسي وأهلي ومالي وولدي وإني لأذكرك وأنا في أهلي فيأخذني مثل الجنون حتى أراك وذكرت موتي وإنك ترقع مع النبيين وإني إن أدخلت الجنة كنت في منزلة أدنى من منزلتك فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت وروى أن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان شديد الحب له عليه الصلاة والسلام قليل الصبر عنه فأتاه يوما وقد تغير وجهه ونحل جسمه وعرف الحزن في وجهه فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حاله فقال يا رسول الله ما بي من وجع غير أني إذا لم أراك اشتقت إليك واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك فذكرت الآخرة فخفت أن لا أراك هناك لأني عرفت انك ترفع مع النبيين وإن أدخلت الجنة كنت في منزلة دون منزلك وإن لم أدخل فذاك حين لا أراك أبدا فنزلت فقال عليه الصلاة والسلام والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه وأبويه وأهله وولده والناس أجمعين وحكى ذلك عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم وروى أن أنسا قال يا رسول الله الرجل يحب قوما ولما يلحق بهم قال عليه الصلاة والسلام المرء مع من أحب «والصديقين» أي المتقدمين في تصديقهم المبالغين في الصدق والإخلاص في الأقوال والأفعال وهم أفاضل أصحاب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأماثل خواصهم المقربين كأبي بكر الصديق رضي الله عنه «والشهداء» الذين بذلوا أرواحهم في طاعة الله تعالى وإعلاء كلمته «والصالحين» الصارفين أعمارهم في طاعته وأموالهم في مرضاته وليس المراد بالمعية الاتحاد في الدرجة ولا مطلق الاشتراك في دخول الجنة بل كونهم فيها بحيث يتمكن كل واحد منهم من رؤية الآخر وزيارته متى أراد وإن بعد ما بينهما من المسافة «وحسن أولئك رفيقا» الرفيق الصاحب مأخوذ من الرفق وهو لين الجانب واللطافة في المعاشرة قولا وفعلا فإن جعل أولئك إشارة إلى النبيين ومن بعدهم على أن ما فيه من معنى البعد لما مر مرارا فرفيقا إما تمييز أو حال على معنى أنهم وصفوا بالحسن من وجهة كونهم رفقاء للمطيعين أو حال كونهم رفقاء لهم وإفراده لما أنه كالصديق والخليط والرسول يستوي فيه الواحد والمتعدد أو لأنه أريد حسن كل واحد منهم رفيقا وإن جعل إشارة إلى المطيعين فهو تمييز على معنى إنهم وصفوا بحسن الرفيق من النبيين ومن بعدهم لا بنفس الحسن فلا يجوز دخول من عليه كما يجوز في الوجه الأول والجملة تذييل مقرر لما قبله مؤكد للترغيب والتشويق قيل فيه معنى التعجب كأنه قيل وما أحسن أولئك رفيقا ولاستقلاله بمعنى التعجب قرئ وحسن بسكون السين «ذلك» إشارة إلى ما للمطيعين من عظيم الأجر ومزيد الهداية ومرافقة هؤلاء المنعم عليهم أو إلى فضلهم ومزيتهم وما فيه من معنى البعد للإشعار بعلو رتبته وبعد منزلته في الشرف وهو مبتدأ وقوله تعالى «الفضل» صفته وقوله تعالى «من الله» خبره أي ذلك الفضل العظيم من الله
(١٩٩)