هؤلاء الحاسدين وآبائهم من آمن بما اوتى آل إبراهيم ومنهم من أعرض عنه وأما جعل الضميرين لما ذكر من حديث آل إبراهيم فيستدعى تراخى الآية الكريمة عما قبلها نزولا كيف لا وحكاية إيمانهم بالحديث المذكور وإعراضهم عنه بصيغة الماضي إنما يتصور بعد وقوع الإيمان والإعراض المتأخرين عن سماع الحديث المتأخر عن نزوله وكذا جعلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ الظاهر بيان حالهم بعد هذا الإلزام وحملة على حكاية حالهم السابقة لا تساعده الفاء المرتبة لما بعدها على ما قبلها ولا يبعد كل البعد ان تكون الهمزة لتقرير حسدهم وتوبيخهم بذلك ويكون قوله تعالى فقد آتينا الآية تعليلا له بدلالته على إعراضهم عما أوتى آل إبراهيم وإن لم يذكر كونه بطريق الحسد كأنه قيل بل أيحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ولا يؤمنون به وذلك ديدنهم المستمر فإنا قد آتينا آل إبراهيم ما آتينا فمنهم أي من جنسهم من آمن بما آتيناهم ومنهم من أعرض عنه ولم يؤمن به والله سبحانه أعلم وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم «وكفى بجهنم سعيرا» نارا مسعرة يعذبون بها والجملة تذييل لما قبلها «إن الذين كفروا بآياتنا» إن أريد بهم الذين كفروا برسول الله صلى الله عليه وسلم فالمراد بالآيات إما القرآن أوما يعم كله وبعضه أو ما يعم سائر معجزاته أيضا وان أريد بهم الجنس المتناول لهم تناولا أوليا فالمراد بالآيات ما يعم المذكورات وسائر الشواهد التي أوتيها الأنبياء عليهم السلام «سوف نصليهم نارا» قال سيبويه سوف كلمة تذكر للتهديد والوعيد وينوب عنها السين وقد يذكران في الوعد فيفيدان التأكيد اى ندخلهم نارا عظيمة هائلة «كلما نضجت جلودهم» أي احترقت وكلما ظرف زمان والعامل فيه «بدلناهم جلودا غيرها» من قبيل بدله بخوفه أمنا لا من قبيل يبدل الله سيئاتهم حسنات أي أعطيناهم مكان كل جلد محترق عند احتراقه جلدا جديدا مغايرا للمحترق صورة وإن كان عينه مادة بأن يزال عنه الاحتراق ليعود إحساسه للعذاب والجملة في محل النصب على أنها حال من ضمير نصليهم وقد جوز كونها ضفة لنارا على حذف العائد أي كلما نضجت فيها جلودهم فمعنى قوله تعالى «ليذوقوا العذاب» ليدوم ذوقه ولا ينقطع كقولك للعزيز أعزك الله وقيل يخلق مكانه جلدا آخر والعذاب للنفس العاصية لا لآلة إدراكها قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما يبدلون جلودا بيضاء كأمثال القراطيس وروى أن هذه الآية قرئت عند عمر رضى الله تعالى عنه فقال للقارئ أعدها فأعادها وكان عنده معاذ بن جبل فقال معاذ عندي تفسيرها يبدل في ساعة مائة مرة فقال عمر رضى الله عنه هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وقال الحسن تأكلهم النار كل يوم سبعين ألف مرة كلما أكلتهم قيل لهم عودوا فيعودون كما كانوا وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إن بين منكبي الكافر مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع وعن أبى هريرة أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرس الكافر أو ناب الكافر مثل أحد وغلظ جلده مسيرة ثلاثة أيام والتعبير عن إدراك العذاب بالذوق ليس لبيان قلته بل
(١٩١)