لا خير عنده فأبدل السين تاء وقيل الجبت الساحر بلغة الحبشة والطاغوت الشيطان قيل هو في الأصل كل ما يطغى الإنسان روى أن حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف اليهوديين خرجا إلى مكة في سبعين راكبا من اليهود ليحالفوا قريشا على محاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم وينقضوا العهد الذي كان بينهم وبينه صلى الله عليه وسلم فقالوا أنتم أهل الكتاب وأنتم أقرب إلى محمد منكم إلينا فلا نأمن مكركم فاسجدوا لآلهتنا نطمئن إليكم ففعلوا فهذا إيمانهم بالجبت والطاغوت لأنهم سجدوا للأصنام وأطاعوا إبليس فيما فعلوا وقال أبو سفيان لكعب أنك أمرؤ تقرأ الكتاب وتعلم ونحن أميون لا نعلم فأينا اهدى طريقا نحن أم محمد فقال ماذا يقول محمد قال يأمر بعبادة الله وحده وينهى عن الشرك قال ومادينكم قالوا نحن ولاة البيت نسقى الحاج ونقرئ الضيف ونفك العاني وذكروا أفعالهم فقال أنتم أهدى سبيلا وذلك قوله تعالى «ويقولون للذين كفروا» أي لأجلهم وفي حقهم «هؤلاء» يعنونهم «أهدى من الذين آمنوا سبيلا» أي أقوم دينا وأرشد طريقة وإيرادهم بعنوان الإيمان ليس من قبل القائلين بل من جهة الله تعالى تعريفا لهم بالوصف الجميل وتخطئة لمن رجح عليهم المتصفين بأقبح القبائح «أولئك» إشارة إلى القائلين وما فيه من معنى البعد مع قربهم في الذكر للإشعار ببعد منزلتهم في الضلال وهو مبتدأ خبره قوله تعالى «الذين لعنهم الله» أي أبعدهم عن رحمته وطردهم والجملة مستأنفة لبيان حالهم وإظهار مصيرهم ومآلهم «ومن يلعن الله» أي يبعده عن رحمته «فلن تجد له نصيرا» يدفع عنه العذاب دنيويا كان أو أخرويا لا بشفاعة ولا بغيرها وفيه تنصيص على حرمانهم مما طلبوا من قريش وفي كلمة لن وتوجيه الخطاب إلى كل أحد ممن يتسنى له الخطاب وتوحيد النصر منكرا والتعبير عن عدمه بعدم الوجدان المنبئ عن سبق الطلب مسندا إلى المخاطب العام من الدلالة على حرمانهم الأبدي بالكلية ما لا يخفى «أم لهم نصيب من الملك» شروع في تفصيل بعض آخر من قبائحهم وأم منقطعة وما فيها من بل للإضراب والانتقال من ذمهم بتزكيتهم أنفسهم وغيرها مما حكى عنهم إلى ذمهم بادعائهم نصيبا من الملك وبخلهم المفرط وشحهم البالغ والهمزة لإنكار أن يكون لهم ما يدعونه وإبطال ما زعموا أن الملك سيصير إليهم وقوله تعالى «فإذا لا يؤتون الناس نقيرا» بيان لعدم استحقاقهم له بل لاستحقاقهم الحرمان منه بسب أنهم من البخل والدناءة بحيث لو أوتوا شيئا من ذلك لما أعطوا الناس منه أقل قليل ومن حق من أوتى الملك أن يؤثر الغير بشئ منه فالفاء للسببية الجزائية لشرط محذوف أي إن جعل لهم نصيب منه فإذن لا يؤتون الناس مقدار ونقير وهو ما في ظهر النواة من النقرة ويضرب به المثل في القلة والحقارة وهذا هو البيان الكاشف عن كنه حالهم وإذا كان شأنهم كذلك وهم ملوك فما ظنك بهم وهو أذلاء متفاقرون ويجوز أن لا تكون الهمزة لإنكار الوقوع بل لإنكار الواقع والتوبيخ عليه أي لعدة منكرا غير لائق بالوقوع على أن الفاء للعطف والإنكار متوجه إلى مجموع المعطوفين على معنى ألهم نصيب وافر من الملك حيث
(١٨٩)