تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٢ - الصفحة ١٨٤
القولين الأخيرين مع تصريحهم بالعصيان في الأول لما قالوا من أن جميع الكفرة كانوا يواجهونه بالكفر والعصيان ولا يواجهونه بالسب ودعاء السوء وقيل كانوا يقولون الأول فيما بينهم وقيل يجوز أن لا ينطقوا بذلك ولكنهم لما لم يؤمنوا به جعلوا كأنهم نطقوا به «ليا بألسنتهم» أي فتلا بها وصرفا للكلام عن نهجه إلى نسبة السب حيث وضعوا غير مسمع موضع لا أسمعت مكروها وأجروا راعنا المشابهة لراعينا مجرى انظرنا أو فتلا بها وضما لما يظهرونه من الدعاء والتوقير إلى ما يضمرونه من السب والتحقير «وطعنا في الدين» أي قدحا فيه بالإستهزاء والسخرية وانتصابهما على العلية ليقولون باعتبار تعلقه بالقولين الأخيرين أي يقولون ذلك لصرف الكلام عن وجهه إلى السب والطعن في الدين أو على الحالية أي لاوين وطاعنين في الدين «ولو أنهم» عندما سمعوا شيئا من أوامر الله تعالى ونواهيه «قالوا» بلسان المقال أو بلسان الحال مكان قولهم سمعنا وعصينا «سمعنا وأطعنا» إنما أعيد سمعنا مع أنه متحقق في كلامهم وإنما الحاجة إلى وضع أطعنا مكان عصينا لا للتنبيه على عدم اعتباره بل على اعتبار عدمه كيف لا وسماعهم سماع الرد ومرادهم بحكايته إعلام عصيانهم للأمر بعد سماعه والوقوف عليه فلا بد من إزالته وإقامة سماع القبول مقامه «واسمع» أي لو قالوا عند مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم بدل قولهم اسمع غير مسمع اسمع «وانظرنا» أي ولو قالوا ذلك بدل قولهم راعنا ولم يدسوا تحت كلامهم شرا وفسادا أي لو ثبت أنهم قالوا هذا مكان ما قالوا من الأقوال «لكان» قولهم ذلك «خيرا لهم» مما قالوا «وأقوم» أي أعدل وأسد في نفسه وصيغة التفضيل إما على بابها واعتبار أصل الفضل في المفضل عليه بناء على اعتقادهم أو بطريق التهكم وإما بمعنى اسم الفاعل وإنما قدم في البيان حاله بالنسبة إليهم على حاله في نفسه لأن هممهم مقصورة على ما ينفعهم «ولكن لعنهم الله بكفرهم» أي ولكن لم يقولوا ذلك واستمروا على كفرهم فخذلهم الله تعالى وأبعدهم عن الهدى بسبب كفرهم بذلك «فلا يؤمنون» بعد ذلك «إلا قليلا» قيل أي إلا إيمانا قليلا لا يعبأ به وهو الإيمان ببعض الكتب والرسل أو إلا زمانا قليلا وهو زمان الاحتضار فإنهم يؤمنون حين لا ينفعهم الإيمان قال تعالى وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته وكلاهما ليس بإيمان قطعا وقد جوز أن يراد بالقلة العدم بالكلية على طريقة قوله تعالى لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى أي إن كان الإيمان المعدوم إيمانا فهم يحدثون شيئا من الإيمان فهو في المعنى تعليق بالمحال وأنت خبير بأن الكل يأباه ما يعقبه من الأمر بالإيمان بالقرآن الناطق بهذا لإفضائه إلى التكليف بالمحال الذي هو إيمانهم بعدم إيمانهم المستمر أما على الوجه الأخير فظاهر واما على الأولين فلأن أمرهم بالإيمان المنجز بجميع الكتب والرسل تكليف لهم بإيمانهم بعدم إيمانهم إلى وقت الاحتضار فالوجه أن يحمل القليل على من يؤمن بعد ذلك لكن لا يجعل المستثنى منه ضمير الفاعل في لا يؤمنون لإفضائه إلى وقوع إيمان من لعنة الله تعالى وخذله مع ما فيه من نسبة القراء إلى الاتفاق على غير المختار بل بجعله ضمير المفعول في لعنهم أي ولكن لعنهم الله إلا فريقا قليلا فإنه تعالى لم يلعنهم فلم ينسد عليهم باب الإيمان وقد آمن بعد ذلك فريق من الأحبار كعبد الله بن سلام وكعب وأضرابهما كما سيأتي
(١٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 (3 - سورة آل عمران) 2
2 قوله تعالى: قل أنبئكم بخير من ذلكم اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار. 15
3 قوله تعالى: إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين. 25
4 قوله تعالى: فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله 40
5 (الجزء الرابع) قوله تعالى: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل نفسه من قبل أن تنزل التوراة 58
6 قوله تعالى: من أهل الكتاب أمة قائمة يتلوا آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. 72
7 قوله تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين. 85
8 قوله تعالى: إذ تصعدون ولا تتلون على أحد والرسول يدعوكم. 100
9 قوله تعالى: لتبلون في أموالكم وأنفسكم 123
10 (4 - سورة النساء) قوله تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي من نفس واحدة. 137
11 قوله تعالى: ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد. 151
12 (الجزء الخامس) قوله تعالى: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم. 163
13 قوله تعالى: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. 175
14 قوله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها. 201
15 قوله تعالى: فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا. 212
16 قوله تعالى: ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة. 224
17 قوله تعالى: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس. 232
18 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط. 242
19 (الجزء السادس) قوله تعالى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم. 247
20 قوله تعالى: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده. 254