تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ١ - الصفحة ٢٤٠
في وقت اختيارهم فحكى أكثر المفسرين، أن ذلك بعد عبادة العجل، فاختارهم، ليستغفروا لبني إسرائيل، وحكى النقاش وغيره، أنه اختارهم حين خرج من البحر، وطلب بالميعاد، والأول أصح.
وقصة السبعين أن موسى عليه السلام، لما رجع من تكليم الله تعالى، ووجد العجل قد عبد، قالت له طائفة ممن لم يعبد العجل: نحن لم نكفر، ونحن أصحابك، ولكن أسمعنا كلام ربك، فأوحى الله إليه، أن اختر منهم سبعين، فلم يجد إلا ستين، فأوحى إليه أن اختر من الشباب عشرة، ففعل، فأصبحوا شيوخا، وكان قد اختار ستة من كل سبط، فزادوا اثنين على السبعين، فتشاحوا فيمن يتأخر، فأوحي إليه أن من تأخر له أجر من مضى، فتأخر يوشع بن نون، وكالوث بن يوفنا، وذهب موسى عليه السلام / بالسبعين، بعد أن أمرهم أن يتجنبوا النساء ثلاثا، ويغتسلوا في اليوم الثالث، واستخلف هارون على قومه، ومضى حتى أتى الجبل، فألقى عليهم الغمام، قال النقاش: غشيتهم سحابة، وحيل بينهم وبين موسى بالنور، فوقعوا سجودا، قال السدي وغيره: وسمعوا كلام الله يأمر وينهى، فلما يطيقوا سماعه، واختلطت أذهانهم، ورغبوا أن يكون موسى يسمع ويعبر لهم، ففعل، فلما فرغوا، وخرجوا، بدلت منهم طائفة ما سمعت من كلام الله، فذلك قوله تعالى: (وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه) [البقرة: 75] واضطرب إيمانهم، وامتحنهم الله تعالى بذلك، فقالوا: (لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة)، ولم يطلبوا من الرؤية محالا، أما أنه عند أهل السنة (1) ممتنع في الدنيا من طريق السمع،

(1) اتفقت كلمة الأشاعرة على جواز رؤيته (تعالى) عقلا في الدنيا و الآخرة، بمعنى أنه تعالى يجوز أن ينكشف لعباده المؤمنين من غير ارتسام صورة، و لا اتصال شعاع، و لا حصول في جهة و مقابلة.
و استدلوا على ذلك بأدلة نقلية و أدلة عقلية، فلنذكر الأدلة النقلية، لأنها الأصل في هذا الباب، و هي أكثر من أن تحصى، و المعتمد منها عند أهل السنة قوله تعالى حكاية عن سيدنا موسى - عليه السلام - في ميقات المناجاة: (قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني و لكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا و خر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك و أنا أول المؤمنين) [الأعراف: 143].
تنطق الآية الكريمة بمسألة تتعلق بالذات الأقدس، و هي مسألة الرؤية، و لم يحدد النطق الكريم الحكم فيها، بل ترك لذوي العقول البحث.
فكان القول بجوازها و وقوعها، و كان القول باستحالتها و عدم وقوعها، و لم يكن لصاحب كل قول من الآية الكريمة ما يعتمد عليه صريحا، بل كل مستند له هو الركون إلى اللغة تارة، واللجوء إلى الدليل العقلي أخرى. غير أن أهل السنة نظروا إلى ظروف الآية و ما سيقت لأجله، فكانت عضدا قويا ركنوا إليه.
(٢٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 ... » »»
الفهرست