تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ١ - الصفحة ٢٤١
فأخذتهم حينئذ الصاعقة، فاحترقوا وماتوا موت همود يعتبر به الغير، وقال قتادة: ماتوا،

فالآية الكريمة تقول: لقد وعى موسى - عليه السلام - لمناجاتنا، ورفعتناه إلى هذا المستوى و اتصل بالأفق الأعلى، وانتهى من الإنسانية إلى الذروة العليا، و شهد من أمر الله ما لم يصل غيره إلى تعقله بأقوى الأدلة و البراهين، و أنزله هذه المنزلة، و وقف في ساحة جلاله و حظائر قدسه و مساقط أنوار جماله و ذاق حلاوة خطابه.
أليس يطلب إلى ربه أن يمتعه بالنظر إلى ذاته الأقدس، ليجمع بين حلاوة الكلام و جمال الرؤية، و يؤيد أن الحامل لموسى - عليه السلام - على طلب الرؤية عوامل الشوق ما روي عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: " جاء موسى - عليه السلام - و معه السبعون رجلا، و صعد موسى الجبل، و بقى السبعون في أسفل الجبل، فكلم الله موسى، و كتب له في الألواح كتابا، و قربه نجيا، فلما سمع موسى صرير القلم عظم شوقه فقال: (رب أرني أنظر إليك)، نعم طلبها بعامل الشوق، و قال: (رب أرني أنظر إليك)، و لم يكن موسى قد جرى في هذه القضية على غير المألوف، حيث جعل النظر مسببا عن الرؤية، و الحال أن النظر تقليب الحدقة نحو الشئ التماسا لرؤيته، فهي متأخرة عنها، إذ الغرض (رب أرني أنظر إليك): مكني من رؤيتك، فأنظر إليك، و أراك، ففي الكلام ذكر الملزوم و إرادة اللازم. نعم أقدم موسى على طلب النظر إلى الذات الأقدس، و انتظر ما يكون من أمر الله، و قد وقع عليه عمود من الغمام، و تغشى الجبل جلال الرب و سمع النطق الكريم (لن تراني) عند هذه الآية الكريمة تقف المعتزلة رافعة الرأس، و لو أنهم لاحظوا ما كان من حب موسى واصطفاء الله له، لم ينصرف ذهنهم إلى المنع من مطالعة الذات الأقدس، بل المتبادر إلى الذهن " لن تقوى على رؤيتي و أنت على ما أنت عليه، لتوقفها على استعداد في الرائي، و لم يوجد في موسى - عليه السلام - وقت الطلب يشهد لهذا ما أخرجه الترمذي في " نوادر الأصول " عن ابن عباس " تلا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم هذه الآية فقال: قال الله تعالى: " يا موسى إنه لا يراني حي إلا مات و لا رطب إلا تفرق و إنما يراني أهل الجنة الذين لا تموت أعينهم، و لا تبلى أجسامهم ".
كذلك يدل على أن التأييد المستفاد من قوله تعالى: (لن تراني) إنما هو موقوف على عدم تغيير الحال، يؤيد ذلك ما رواه أبو الشيخ عن ابن عباس، و فيه يقول: " يا موسى إنه لن يراني أحد فيحيا، قال موسى:
رب أن أراك ثم أموت أحب إلي من ألا أراك ثم أحيا " و قد نبه جل شأنه بقوله: (لن تراني) على وجود المانع، و هو الضعف عن تحملها، حيث أراه ضعف من هو أقوى منه وتفتته عندما تجلى عليه الرب و غشيه ذو الجلال و الإكرام.
فكان الجبل و تماسكه و عاد الجبل متقوص الأركان متداخل الأجزاء سقيم القوام، و كان موسى فاقد الحياة، لطلبه هذه المرئية من الانكشاف، وهو باق على حاله.
أفاق موسى و استرد حياته، و قال: (سبحانك تبت إليك و أنا أول المؤمنين) [الأعراف: 143] أنزهك من أن أسألك شيئا بغير إذنك تبت عن الإقدام و أنا أول المؤمنين بأن لا يراك أحد في هذه النشأة، و ليس كما يزعم الخصم من أن التوبة دليل العصيان، فكان موسى يعلم امتناعها و قد طلبها و هي ممتنعة. بل تاب من طلب الرؤية بغير إذن، و كيف لا يتوب و هو الرب صاحب الجبروت، وهو موسى المصطفى الكليم.
و قد قيل قديما: (حسنات الأبرار سيئات المقربين) - إلى هنا كان حتما أن نبين أن أهل السنة كانوا في غيبة عن أدلة الجواز، لكن دفعتهم أن ما سيكون من الأدلة على الوقوع سمعي فحسب، قد يأتيها الخصم بمنع إمكان المطلوب، لأجل هذا مهدوا الطريق للوقوع، فبرهنوا على الجواز بالأدلة النقيلة و العقلية،
(٢٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 246 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة المحقق 5
2 المبحث الأول: نبذة عن حياة الثعالبي - اسمه وكنيته ولقبه - رحلاته وشيوخه 9
3 1 - محمد بن خلفه بن عمر التونسي 12
4 2 - ولي الدين العراقي 13
5 3 - محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر مرزوق 14
6 4 - أبو القاسم بن أحمد بن محمد المعتل البلوي 17
7 5 - علي بن عثمان بن المنجلاتي 19
8 6 - احمد النقاوسي البجاني 19
9 7 - عيسى بن أحمد بن محمد بن محمد الغبريني 19
10 8 - سليمان بن الحسن البوزيدي 20
11 9 - محمد بن علي بن جعفر الشمس 21
12 10 - عمر بن محمد القلشاني 22
13 11 - علي بن موسى البجائي 22
14 12 - البساطي 23
15 13 - أبو الحسن علي بن محمد البليليتي 23
16 14 - أبو يوسف يعقوب الزغبي - شيوخه الدين لم يذكره في رحلته 23
17 1 - عبد الله بن مسعود التونسي 23
18 2 - عبد العزيز بن موسى بن معطي العبدوسي 24
19 3 - عبد الواحد الغرياني - تلاميذه 25
20 1 - محمد بن محمد بن أحمد بن الخطيب 25
21 2 - محمد بن يوسف بن عمر شعيب السوسني 26
22 3 - أبو العباس أحمد بن عبد الله الجزائري الزواوي 29
23 4 - محمد بن عبد الكريم بن محمد المغيلي 30
24 5 - علي بن محمد التالوتي الأنصاري 32
25 6 - علي بن عباد التستري البكري 33
26 7 - أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسى البرنسي القاسي الشهير بزروق 33
27 - مصنفات الثعالبي 36
28 - ثناء العلماء عليه 38
29 - المبحث الثاني: التفسير قبل أبي زيد الثعالبي 40
30 - التفسير لغة 40
31 - التفسير اصطلاحا 41
32 - التأويل لغة 42
33 - التأويل اصطلاحا 43
34 - الفرق بين التفسير والتأويل 44
35 - حاجة الناس إلى التفسير 46
36 - فهم الصحابة للقران الكريم 50
37 - أشهر مفسري القران من الصحابة 52
38 1 - علي بن أبي طالب 52
39 2 - عبد الله بن مسعود 53
40 3 - أبي بن كعب 55
41 4 - عبد الله بن عباس 56
42 - طرق الرواية عن ابن عباس 59
43 - قيمة التفسير المأثور عن الصحابة 60
44 - مدرسة مكة: تلاميذ ابن عباس 62
45 1 - سعيد بن جبير 62
46 2 - مجاهد بن جبر 66
47 3 - عكرمة 67
48 4 - طاووس 70
49 - مدرسة المدينة: تلاميذ أبي بن كعب 74
50 1 - أبو العالية 74
51 2 - محمد بن كعب القرظي 75
52 3 - زيد بن أسلم 75
53 - مدرسة العراق: تلاميذ عبد الله بن مسعود 76
54 1 - علقمة بن قيس 76
55 2 - مسروق 77
56 3 - عامر الشعبي 77
57 4 - الحسن البصري 78
58 5 - قتادة 79
59 - قيمة التفسير المأثور عن التابعين 81
60 - سمات التفسير في تلك المرحلة 82
61 - التفسير في عصر التدوين 82
62 - اقسام التفسير 83
63 - الاتجاه الأثري في التفسير 83
64 - ابن جرير الطبري 84
65 - طريقة الطبري في التفسير 85
66 - الاتجاه اللغوي 86
67 - الاتجاه البياني 88
68 المبحث الثالث: الكلام على تفسير الثعالبي 91
69 1 - مصادر من كتب التفسير 91
70 2 - كتب غريب القران والحديث 94
71 3 - المصادر التي اعتمد عليها من كتب السنة 95
72 4 - كتب الترغيب والترهيب 95
73 5 - كتب في الاحكام الفقهية والأصولية 96
74 6 - كتب الخصائص والشمائل 96
75 8 - في الأسماء والصفات 97
76 9 - ومن كتب التاريخ 97
77 10 - كتب أخرى منثورة 97
78 - منهج الامام الثعالبي في تفسيره 98
79 1 - جمعة بين التفسير بالمأثور والرأي 99
80 2 - تعرضه لمسائل في أصول الدين 100
81 3 - مسائل أصول الفقه في تفسير 101
82 4 - تعرضه لايات الاحكام 102
83 5 - احتجاجه باللغة والمسائل النحوية 103
84 6 - ذكره لأسباب النزول 104
85 7 - ذكره للقراءات الواردة في الآية 105
86 8 - احتجاجه بالشعر 108
87 9 - موقفه من الإسرائيليات 109
88 - وصف النسخ المعتمد عليها في كتاب تفسير الثعالبي 113
89 - نماذج من صور مخطوطات الكتاب 115
90 - مقدمة المؤلف 117
91 - باب في فضل القران 123
92 - باب في فضل تفسير القران واعرابه 135
93 - فصل فيما قيل في الكلام في تفسير القران والجرأة عليه ومراتب المفسرين 138
94 - فصل: انزل القران على سبعة أحرف 145
95 - فصل في ذكر الألفاظ التي في القران مما للغات العجم بها تعلق 148
96 - باب تفسير أسماء القران وذكر السورة والآية 150
97 - باب في الاستعاذة 154
98 - باب في تفسير (بسم الله الرحمن الرحيم) 156
99 - تفسير فاتحة الكتاب 161
100 - تفسير سورة البقرة 174