تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ١ - الصفحة ١٥٥
والشافعي (1) يتعوذان / في الركعة الأولى من الصلاة، ويريان قراءة الصلاة كلها كقراءة واحدة، ومالك - رحمه الله - لا يرى التعوذ في الصلاة المفروضة، ويراه في قيام رمضان، ولم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تعوذ في صلاة.
وأما لفظ الاستعاذة، فالذي عليه جمهور الناس وهو لفظ كتاب الله تعالى: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، وأما المقرئون، فأكثروا في هذا من تبديل الصفة في اسم الله، وفي الجهة الأخرى، كقول بعضهم: أعوذ بالله المجيد من الشيطان المريد، ونحو هذا مما لا أقول فيه: نعمت البدعة، ولا أقول: أنه لا يجوز، ومعنى الاستعاذة الاستجارة والتحيز إلى الشئ على وجه الامتناع به من المكروه.
وأما الشيطان، فاختلف في اشتقاقه (2)، فقال الحذاق: هو فيعال من شطن، إذا بعد،

(١) محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن الشافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف جد النبي صلى الله عليه و آله و سلم. و شافع بن السائب هو الذي ينسب إليه الشافعي، لقي النبي صلى الله عليه و آله و سلم في صغره، و أسلم أبوه السائب يوم " بدر "، فإنه كان صاحب راية بني هاشم، و كانت ولادة الشافعي بقرية من الشام يقال لها " غزة ". قاله ابن خلكان و ابن عبد البر. و قال صاحب التنقيب: ب‍ " منى " من مكة، و قال ابن بكار: ب‍ " عسقلان "، و قال الزوزني: ب‍ " اليمن "، و الأول أشهر، و كان ذلك في سنة خمسين و مائة، و هي السنة التي مات فيها الإمام أبو حنيفة (رحمه الله) حمل إلى مكة و هو ابن سنتين، و نشأ بها، و حفظ القرآن و هو ابن سبع سنين، ثم سلمه أبوه للتفقه إلى مسلم بن خالد مفتي مكة، فأذن له في الإفتاء. و هو ابن خمسة عشر سنة، فرحل إلى الإمام مالك بن أنس ب‍ " المدينة "، فلازمه حتى توفي مالك (رحمه الله) ثم قدم " بغداد " سنة خمسة و تسعين و مائة، و أقام بها سنتين، فاجتمع عليه علماؤها، و أخذوا عنه العلم ثم خرج إلى " مكة " حاجا، ثم عاد إلى " بغداد " سنة ثمان و تسعين و مائة، فأقام بها شهرين أو أقل، فلما قتل الإمام موسى الكاظم خرج إلى " مصر "، فلم يزل بها ناشرا للعلم، و صنف بها الكتب الجديدة، وانتقل إلى رحمة الله (تعالى) يوم الجمعة سلخ رجب سنة أربع و مائتين، و دفن بالقرافة بعد العصر في يومه.
ينظر: " ابن هداية الله " ص 11، " سير أعلام النبلاء " (10 / 1)، " التاريخ الكبير " (1 / 42)، " طبقات الحفاظ " (ص 152)، " تذكرة الحفاظ " (1 / 361).
(2) اختلف أهل العربية في اشتقاق " الشيطان "، فقال جمهورهم: هو مشتق من " شطن يشطن " أي: بعد، لأنه بعيد من رحمة الله تعالى، و أنشدوا: [الوافر] نأت بسعاد عنك نوى شطوف * فبانت و الفؤاد بها رهين و قال أمة بن أبي الصلت: [الخفيف] أيما شاطن عصاه عكاه * ثم يلقى في السجن و الأكبال و حكى شيخ النحاة سيبويه: " تشيطن " أي فعل فعل الشياطين، فهذا كله يدل على أنه من شطن، لثبوت النون و سقط الألف في تصاريف الكلمة، و وزنه على هذا " فيعال ".
و قيل: هو مشتق من " شاط يشط " أي: هاج و احترق. و لا شك أن هذا المعنى موجود فيه، فأخذوا
(١٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 ... » »»
الفهرست