تعلمون "، إذا نزل بكم الموت، وجاءتكم رسل لتنزع أرواحكم. " ثم كلا سوف تعلمون ":
إذا دخلتم قبوركم، وجاءكم منكر ونكير، وحاط بكم هول السؤال، وانقطع منكم الجواب.
قلت: فتضمنت السورة القول في عذاب القبر. وقد ذكرنا في كتاب " التذكرة " أن الايمان به واجب، والتصديق به لازم، حسبما أخبر به الصادق، وأن الله تعالى يحيي العبد المكلف في قبره، برد الحياة إليه، ويجعل له من العقل في مثل الوصف الذي عاش عليه، ليعقل ما يسأل عنه، وما يجيب به، ويفهم ما أتاه من ربه، وما أعد له في قبره، من كرامة وهوان.
وهذا هو مذهب أهل السنة، والذي عليه الجماعة من أهل الملة. وقد ذكرناه هناك مستوفي، والحمد لله، وقيل: " كلا سوف تعلمون " عند النشور أنكم مبعوثون " ثم كلا سوف تعلمون " في القيامة أنكم معذبون. وعلى هذا تضمنت أحوال القيامة من بعث وحشر، وسؤال وعرض، إلى غير ذلك من أهوالها وأفزاعها، حسب ما ذكرناه في كتاب " التذكرة، بأحوال الموتى وأمور الآخرة ". وقال الضحاك: " كلا سوف تعلمون " يعني الكفار، " ثم كلا سوف تعلمون ": قال المؤمنون. وكذلك كان يقرؤها، الأولى بالتاء والثانية بالياء.
قوله تعالى: كلا لو تعلمون علم اليقين (5) قوله تعالى: (كلا لو تعلمون علم اليقين) أعاد " كلا " وهو زجر وتنبيه، لأنه عقب كل واحد بشئ آخر، كأنه قال: لا تفعلوا، فإنكم تندمون، لا تفعلوا، فإنكم تستوجبون العقاب. وإضافة العلم إلى اليقين، كقوله تعالى: " إن هذا لهو حق اليقين " (1) [الواقعة: 95]. وقيل:
اليقين ها هنا: الموت، قاله قتادة. وعنه أيضا: البعث، لأنه إذا جاء زال الشك، أي لو تعلمون علم البعث وجواب " لو " محذوف، أي لو تعلمون اليوم من البعث ما تعلمونه إذا جاءتكم نفخة الصور، وانشقت اللحود عن جثثكم، كيف يكون حشركم؟ لشغلكم ذاك عن التكاثر بالدنيا. وقيل: " كلا لو تعلمون علم اليقين " أي لو (2) قد تطايرت الصحف، فشقي وسعيد.