أرى أهل القصور إذا أميتوا * بنوا فوق المقابر بالصخور أبوا إلا مباهاة وفخرا * على الفقراء حتى في القبور وقد جاء في الشعر (المقبر) قال:
لكل أناس مقبر بفنائهم * فهم ينقصون والقبور تزيد (1) وهو المقبري والمقبري: لأبي سعيد المقبري (2)، وكان يسكن المقابر. وقبرت الميت أقبره وأقبره قبرا، أي دفنته. وأقبرته أي أمرت بأن يقبر. وقد مضى في سورة " عبس " القول فيه (3).
والحمد لله.
الرابعة - لم يأت في التنزيل ذكر المقابر إلا في هذه السورة. وزيارتها من أعظم الدواء للقلب القاسي، لأنها تذكر الموت والآخرة. وذلك يحمل على قصر الامل، والزهد في الدنيا، وترك الرغبة فيها. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروا القبور، فإنها تزهد في الدنيا، وتذكر الآخرة) رواه ابن مسعود، أخرجه ابن ماجة. وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة: (فإنها تذكر الموت). وفي الترمذي عن بريدة: (فإنها تذكر الآخرة). قال: هذا حديث حسن صحيح. وفيه عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور. قال: وفي الباب عن ابن عباس وحسان بن ثابت. قال أبو عيسى:
وهذا حديث حسن صحيح. وقد رأى بعض أهل العلم أن هذا كان قبل أن يرخص النبي صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور، فلما رخص دخل في رخصته الرجال والنساء. وقال بعضهم: إنما كره زيارة القبور للنساء لقلة صبرهن، وكثرة جزعهن.
قلت: زيارة القبور للرجال متفق عليه عند العلماء، مختلف فيه للنساء. أما الشواب فحرام عليهن الخروج، وأما القواعد فمباح لهن ذلك. وجائز لجميعهن. ذلك إذا انفردن بالخروج عن الرجال، ولا يختلف في هذا إن شاء الله. وعلى هذا المعنى يكون قوله: (زوروا القبور) عاما. وأما موضع أو وقت يخشى فيه الفتنة من اجتماع الرجال والنساء، فلا يحل ولا يجوز.