ويوم عرفة، وعند الجمار، وعلى الصفا والمروة، وفي خطبة النكاح، وفي مشارق الأرض ومغاربها. ولو أن رجلا عبد الله جل ثناؤه، وصدق بالجنة والنار وكل شئ، ولم يشهد أن محمدا رسول الله، لم ينتفع بشئ وكان كافرا. وقيل: أي أعلينا ذكرك، فذكرناك في الكتب المنزلة على الأنبياء قبلك، وأمرناهم بالبشارة بك، ولا دين إلا ودينك يظهر عليه. وقيل:
رفعنا ذكرك عند الملائكة في السماء، وفي الأرض عند المؤمنين، ونرفع في الآخرة ذكرك بما نعطيك من المقام المحمود، وكرائم الدرجات.
قوله تعالى: فإن مع العسر يسرا (5) إن مع العسر يسرا (6) أي إن مع الضيقة والشدة يسرا، أي سعة وغنى. ثم كرر فقال: " إن مع العسر يسرا "، فقال قوم: هذا التكرير تأكيد للكلام، كما يقال: ارم ارم، أعجل أعجل، قال الله تعالى:
" كلا سوف (1) تعلمون. ثم كلا سوف تعلمون " [التكاثر: 3 - 4]. ونظيره في تكرار الجواب: بلى بلى، لا، لا.
وذلك للاطناب والمبالغة، قاله الفراء. ومنه قول الشاعر:
هممت بنفسي بعض الهموم * فأولى لنفسي أولى لها (1) وقال قوم: إن من عادة العرب إذا ذكروا اسما معرفا ثم كرروه، فهو هو. وإذا نكروه ثم كرروه فهو غيره. وهما اثنان، ليكون أقوى للأمل، وأبعث على الصبر، قاله ثعلب.
وقال ابن عباس: يقول الله تعالى خلقت عسرا واحدا، وخلقت يسرين، ولن يغلب عسر يسرين. وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه السورة: أنه قال:
[لن يغلب عسر يسرين]. وقال ابن مسعود: (3) والذي نفسي بيده، لو كان العسر في حجر، لطلبه اليسر حتى يدخل عليه، ولن يغلب عسر يسرين. وكتب أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعا من الروم، وما يتخوف منهم، فكتب إليه عمر رضي الله عنهما: أما بعد، فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من منزل شدة، يجعل الله بعده فرجا، وإنه لن يغلب عسر يسرين، وإن الله تعالى يقول في كتابه: " يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا