قلت: هذه الأقوال كلها ترجع إلى معنى الكفران والجحود. وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم معنى الكنود بخصال مذمومة، وأحوال غير محمودة، فإن صح فهو أعلى ما يقال، ولا يبقى لاحد معه مقال.
قوله تعالى: وإنه على ذلك لشهيد (7) أي وإن الله عز وجل ثناؤه على ذلك من ابن آدم لشهيد. كذا روى منصور عن مجاهد، وهو قول أكثر المفسرين، وهو قول ابن عباس. وقال الحسن وقتادة ومحمد ابن كعب: " وإنه " أي وإن الانسان لشاهد على نفسه بما يصنع، وروي عن مجاهد أيضا.
قوله تعالى: وإنه لحب الخير لشديد (8) قوله تعالى: (وإنه) أي الانسان من غير خلاف. (لحب الخير) أي المال، ومنه قوله تعالى: " إن ترك خيرا " (1) [البقرة: 180]. وقال عدي:
ماذا ترجي النفوس من طلب * الخير وحب الحياة كاربها (2) (لشديد) أي لقوي في حبه للمال. وقيل: " لشديد " لبخيل. ويقال للبخيل: شديد ومتشدد. قال طرفة:
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفى * عقيلة مال الفاحش المتشدد يقال: اعتامه واعتماه، أي اختاره. والفاحش: البخيل أيضا. ومنه قوله تعالى:
" ويأمركم بالفحشاء " (3) [البقرة: 268] أي البخل. قال ابن زيد: سمى الله المال خيرا، وعسى أن يكون شرا وحراما (4)، ولكن الناس يعدونه خيرا، فسماه الله خيرا لذلك. وسمى الجهاد سواء، فقال:
" فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء " (5) [آل عمران: 174] على ما يسميه الناس. قال الفراء: نظم الآية أن يقال: وإنه لشديد الحب للخير، فلما تقدم الحب قال: شديد، وحذف من آخره