الثانية - واختلف أهل العلم هل دخل النساء في عقد المهادنة لفظا أو عموما، فقالت طائفة منهم: قد كان شرط ردهن في عقد المهادنة لفظا صريحا فنسخ الله ردهن من العقد ومنع منه، وبقاه في الرجال على ما كان. وهذا يدل على أن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يجتهد رأيه (1) في الاحكام، ولكن لا يقره الله على خطأ. وقالت طائفة من أهل العلم: لم يشترط ردهن في العقد لفظا، وإنما أطلق العقد في رد من أسلم، فكان ظاهر العموم اشتماله عليهن مع الرجال. فبين الله تعالى خروجهن عن عمومه. وفرق بينهن وبين الرجال لامرين: أحدهما: أنهن ذوات فروج يحرمن عليهم. الثاني - أنهن أرق قلوبا وأسرع تقلبا منهم. فأما المقيمة منهن على شركها فمردودة عليهم.
الثالثة - قوله تعالى: (فامتحنوهن) قيل: إنه كان من أرادت منهن إضرار زوجها فقالت: سأهاجر إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فلذلك أمر صلى الله عليه وسلم بامتحانهن.
واختلف فيما كان يمتحنهن به على ثلاثة أقوال:
الأول: قال ابن عباس: كانت المحنة أن تستحلف بالله أنها ما خرجت من بغض زوجها، ولا رغبة من أرض إلى أرض، ولا التماس دنيا، ولا عشقا لرجل منا، بل حبا لله ولرسوله. فإذا حلفت بالله الذي لا إله إلا هو على ذلك، أعطى النبي صلى الله عليه وسلم زوجها مهرها وما أنفق عليها ولم يردها، فذلك قوله تعالى: " فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن ".
الثاني - أن المحنة كانت أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، قاله ابن عباس أيضا.
الثالث - بما بينه في السورة بعد من قوله تعالى: " يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات " [الممتحنة: 12] قالت عائشة رضي الله عنها: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتحن إلا بالآية التي قال الله: " إذا جاءك المؤمنات يبايعنك " [الممتحنة: 12] رواه معمر عن الزهري عن عائشة. خرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح.