قوله تعالى: وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا 26 إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا 27 فيه أربع مسائل:
الأولى: دعا عليهم حين يئس من أتباعهم إياه. وقال قتادة: دعا عليهم بعد أن أوحى الله إليه: " أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن " (1) [هود: 36] فأجاب الله دعوته وأغرق أمته، وهذا كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم منزل الكتاب سريع الحساب (2) وهازم الأحزاب أهزمهم وزلزلهم). وقيل: سبب دعائه أن رجلا من قومه حمل ولدا صغيرا على كتفه فمر بنوح فقال: (احذر هذا فإنه يضلك). فقال: يا أبت أنزلني، فأنزله فرماه فشجه، فحينئذ غضب ودعا عليهم. وقال محمد بن كعب ومقاتل والربيع وعطية وابن زيد: إنما قال هذا حينما أخرج الله كل مؤمن من أصلابهم وأرحام نسائهم. وأعقم أرحام النساء وأصلاب الرجال قبل العذاب بسبعين سنة. وقيل: بأربعين. قال قتادة: ولم يكن فيهم صبي وقت العذاب. وقال الحسن وأبو العالية: لو أهلك الله أطفالهم معهم كان عذابا من الله لهم وعدلا فيهم، ولكن الله أهلك أطفالهم وذريتهم بغير عذاب، ثم أهلكهم بالعذاب، بدليل قوله تعالى: " وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم " (3) [الفرقان: 37].
الثانية - قال ابن العربي: " دعا نوح على الكافرين أجمعين، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم على من تحزب على المؤمنين وألب عليهم. وكان هذا أصلا في الدعاء على الكافرين في الجملة، فأما كافر معين لم تعلم خاتمته فلا يدعى عليه، لان مآله عندنا مجهول، وربما كان عند الله معلوم الخاتمة بالسعادة. وإنما خص النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء عتبة وشيبة وأصحابهما، لعلمه بمالهم وما كشف له من الغطاء عن حالهم. والله أعلم ".
قلت: قد مضت هذه المسألة مجودة في سورة " البقرة " (4) والحمد لله.