الصف للمبارزة خلاف على قولين أحدهما: أنه لا بأس بذلك إرهابا للعدو، وطلبا للشهادة وتحريضا على القتال. وقال أصحابنا: لا يبرز أحد طالبا لذلك، لان فيه رياء وخروجا إلى ما نهى الله عنه من لقاء العدو. وإنما تكون المبارزة إذا طلبها الكافر، كما كانت في حروب النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر وفي غزوة خيبر، وعليه درج السلف. وقد مضى القول مستوفى في هذا في " البقرة " عند قوله تعالى: " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة (1) " [البقرة: 195].
قوله تعالى: وإذ قال موسى لقومه يقوم لم تؤذونني وقد تعلمون أنى رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدى القوم الفسقين 5 قوله تعالى: (وإذ قال موسى لقومه) لما ذكر أمر الجهاد بين أن موسى وعيسى أمرا بالتوحيد وجاهدا في سبيل الله، وحل العقاب بمن خالفهما، أي واذكر لقومك يا محمد هذه القصة.
قوله تعالى: (يا قوم لم تؤذونني) وذلك حين رموه بالأدرة، حسب ما تقدم في آخر سورة " الأحزاب " (2). ومن الأذى ما ذكر في قصة قارون: إنه دس إلى امرأة تدعي على موسى الفجور (3). ومن الأذى قولهم: " اجعل لنا إلها كما لهم (4) آلهة " [الأعراف: 138]. وقولهم: " فاذهب أنت وربك فقاتلا " (5) [المائدة: 24]. وقولهم: إنك قتلت هارون. وقد تقدم (6) هذا. (وقد تعلمون أنى رسول الله إليكم) والرسول يحترم ويعظم. ودخلت " قد " على " تعلمون " للتأكيد، كأنه قال:
وتعلمون علما يقينا لا شبهة لكم فيه. (فلما زاغوا) أي مالوا عن الحق (أزاغ الله قلوبهم) أي أمالها عن الهدى. وقيل: " فلما زاغوا " عن الطاعة " أزاغ الله قلوبهم " عن الهداية.