قوله تعالى: (فستبصر ويبصرون) قال ابن عباس: معناه فستعلم ويعلمون يوم القيامة. وقيل: فسترى ويرون يوم القيامة حين يتبين الحق والباطل. (بأيكم المفتون) الباء زائدة، أي فستبصر ويبصرون أيكم المفتون. أي الذي فتن بالجنون، كقوله تعالى:
" تنبت بالدهن " (1) [المؤمنون: 20] و " يشرب بها عباد الله " (2) [الانسان: 6]. وهذا قول قتادة وأبي عبيد والأخفش.
وقال الراجز:
نحن بنو جعدة أصحاب الفلج * نضرب بالسيف ونرجو بالفرج (3) وقيل: الباء ليست بزائدة، والمعنى: " بأيكم المفتون " أي الفتنة. وهو مصدر على وزن المفعول، ويكون معناه الفتون، كما قالوا: ما لفلان مجلود ولا معقول، أي عقل ولا جلادة. وقاله الحسن والضحاك وابن عباس. وقال الراعي:
حتى إذا لم يتركوا لعظامه * لحما ولا لفؤاده معقولا أي عقلا. وقيل في الكلام تقدير حذف مضاف، والمعنى: بأيكم فتنة المفتون. وقال الفراء: الباء بمعنى في، أي فستبصر ويبصرون في أي الفريقين المجنون، أبا لفرقة التي أنت فيها من المؤمنين أم بالفرقة الأخرى. والمفتون: المجنون الذي فتنه الشيطان. وقيل:
المفتون المعذب. من قول العرب: فتنت الذهب بالنار إذا حميته. ومنه قوله تعالى:
" يوم هم على النار يفتنون " (4) [الذاريات: 13] أي يعذبون.
ومعظم السورة نزلت في الوليد بن المغيرة وأبي جهل. وقيل: المفتون هو الشيطان، لأنه مفتون في دينه. وكانوا يقولون: إن به شيطانا، وعنوا بالمجنون هذا، فقال الله تعالى:
فسيعلمون غدا بأيهم المجنون، أي الشيطان الذي يحصل من مسه الجنون واختلاط العقل.