تبعد إحداهما من الأخرى، لان التجسس البحث عما يكتم عنك. والتحسس [بالحاء] طلب الاخبار والبحث عنها. وقيل: إن التجسس [بالجيم] هو البحث، ومنه قيل:
رجل جاسوس إذا كان يبحث عن الأمور. وبالحاء: هو ما أدركه الانسان ببعض حواسه.
وقول ثان في الفرق: أنه بالحاء تطلبه لنفسه، وبالجيم أن يكون رسولا لغيره، قاله ثعلب.
والأول أعرف. جسست الاخبار وتجسستها أي تفحصت عنها، ومنه الجاسوس. ومعنى الآية: خذوا ما ظهر ولا تتبعوا عورات المسلمين، أي لا يبحث أحدكم عن عيب أخيه حتى يطلع عليه بعد أن ستره الله. وفي كتاب أبى داود عن معاوية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم] فقال أبو الدرداء: كلمة سمعها معاوية من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعه الله تعالى بها.
وعن المقدام بن معدي يكرب عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم]. وعن زيد بن وهب قال: أتي ابن مسعود فقيل: هذا فلان تقطر لحيته خمرا. فقال عبد الله: إنا قد نهينا عن التجسس، ولكن إن يظهر لنا شئ نأخذ به. وعن أبي برزة الأسلمي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
[يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الايمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته]. وقال عبد الرحمن ابن عوف: حرست ليلة مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالمدينة إذ تبين لنا سراج في بيت بابه مجاف على قوم لهم أصوات مرتفعة ولغط، فقال عمر: هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف، وهم الآن شرب فما ترى!؟ قلت: أرى أنا قد أتينا ما نهى الله عنه، قال الله تعالى:
" ولا تجسسوا " وقد تجسسنا، فانصرف عمر وتركهم. وقال أبو قلابة: حدث عمر ابن الخطاب أن أبا محجن الثقفي يشرب الخمر مع أصحاب له في بيته، فانطلق عمر حتى دخل عليه، فإذا ليس عنده إلا رجل، فقال أبو محجن: إن هذا لا يحل لك! قد نهاك الله عن التجسس، فخرج عمر وتركه. وقال زيد بن أسلم: خرج عمر وعبد الرحمن يعسان،