وترك التغافل عن تعاهدهم في أوقات ضروراتهم، وتتأكد في حقهم حقوق الرحم العامة، حتى إذا تزاحمت الحقوق بدئ بالأقرب فالأقرب. وقال بعض أهل العلم: إن الرحم التي تجب صلتها هي كل رحم محرم، وعليه فلا تجب في بني الأعمام وبني الأخوال. وقيل:
بل هذا في كل رحم ممن ينطلق عليه ذلك من ذوي الأرحام في المواريث، محرما كان أو غير محرم. فيخرج من هذا أن رحم الام التي لا يتوارث بها لا تجب صلتهم ولا يحرم قطعهم.
وهذا ليس بصحيح، والصواب أن كل ما يشمله ويعمه الرحم تجب صلته على كل حال، قربة ودينية، على ما ذكرناه أولا والله أعلم. وقد روى أبو داود الطيالسي في مسنده قال:
حدثنا شعبة قال أخبرني محمد بن عبد الجبار قال سمعت محمد بن كعب القرظي يحدث عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [إن للرحم لسانا يوم القيامة تحت العرش يقول يا رب قطعت يا رب ظلمت يا رب أسئ إلي فيجيبها ربها ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك]. وفي صحيح مسلم عن جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لا يدخل الجنة قاطع]. قال ابن أبي عمر قال سفيان: يعني قاطع رحم. ورواه البخاري.
الرابعة - قوله عليه السلام: [إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم...] " خلق " بمعنى اخترع وأصله التقدير، كما تقدم (1). والخلق هنا بمعنى المخلوق. ومنه قوله تعالى:
" هذا خلق الله " (2) أي مخلوقه. ومعنى [فرغ منهم] كمل خلقهم. لا أنه اشتغل بهم ثم فرغ من شغله بهم، إذ ليس. فعله بمباشرة ولا مناولة، ولا خلقه بآلة ولا محاولة، تعالى عن ذلك. وقوله: [قامت الرحم فقالت] يحمل على أحد وجهين: أحدهما - أن يكون الله تعالى أقام من يتكلم عن الرحم من الملائكة فيقول ذلك، وكانه وكل بهذه العبادة من يناضل عنها ويكتب ثواب من وصلها ووزر من قطعها، كما وكل الله بسائر الأعمال كراما كاتبين، وبمشاهدة أوقات الصلوات ملائكة متعاقبين. وثانيهما -