ثم استثنى بما ليس من الأول فقال:
إلا كناشرة الذي ضيعتم * كالغصن في غلوائه المتنبت وقيل: إن " إلا " بمعنى بعد، كقولك: ما كلمت رجلا اليوم إلا رجلا عندك، أي بعد رجل عندك. وقيل: " إلا " بمعنى سوى، أي سوى الموتة التي ماتوها في الدنيا، كقوله تعالى:
" ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف " (1) [النساء: 22]. وهو كما تقول: ما ذقت اليوم طعاما سوى ما أكلت أمس. وقال القتبي: " إلا الموتة الأولى " معناه أن المؤمن إذا أشرف على الموت استقبلته ملائكة الرحمة ويلقى الروح والريحان، وكان موته في الجنة لاتصافه بأسبابها، فهو استثناء صحيح. والموت عرض لا يذاق، ولكن جعل كالطعام الذي يكره ذوقه، فاستعير فيه لفظ الذوق. " ووقاهم عذاب الجحيم. فضلا من ربك " أي فعل ذلك بهم تفضلا منه عليهم. ف " فضلا " مصدر عمل فيه " يدعون ". وقيل:
العامل فيه " ووقاهم ". وقيل فعل مضمر. وقيل: معنى الكلام الذي قبله، لأنه تفضل منه عليهم، إذ وفقهم في الدنيا إلى أعمال يدخلون بها الجنة. " ذلك هو الفوز العظيم " أي السعادة والربح العظيم والنجاة العظيمة. وقيل: هو من قولك فاز بكذا، أي ناله وظفر به.
قوله تعالى: فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون (58) فارتقب إنهم مرتقبون (59) قوله تعالى: " فإنما يسرناه بلسانك " يعني القرآن، أي سهلناه بلغتك عليك وعلى من يقرؤه. (لعلهم يتذكرون) أي يتعظون وينزجرون. ونظيره " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر " (2) [القمر: 17] فختم السورة بالحث على اتباع القرآن وإن لم يكن مذكورا، كما قال في مفتتح السورة: " إنا أنزلناه في ليلة مباركة " [الدخان: 3]، " إنا أنزلناه في ليلة القدر " [القدر: 1] على ما تقدم. " فارتقب إنهم مرتقبون " أي انتظر ما وعدتك من النصر عليهم إنهم منتظرون لك الموت، حكاه