كرسل الملوك في الشاهد، ولم يعلم أن رسل الله إنما أيدوا بالجنود السماوية، وكل عاقل يعلم أن حفظ الله موسى مع تفرده ووحدته من فرعون مع كثرة أتباعه، وإمداد موسى بالعصا واليد البيضاء كان أبلغ من أن يكون له أسورة أو ملائكة يكونون معه أعوانا - في قول مقاتل - أو دليلا على صدقه - في قول الكلبي - وليس يلزم هذا لان الاعجاز كاف، وقد كان في الجائز أن يكذب مع مجئ الملائكة كما كذب مع ظهور الآيات. وذكر فرعون الملائكة حكاية عن لفظ موسى، لأنه لا يؤمن بالملائكة من لا يعرف خالقهم.
قوله تعالى: فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين (54) قوله تعالى: " فاستخف قومه " قال ابن الأعرابي: المعنى فاستجهل قومه " فأطاعوه " لخفة أحلامهم وقلة عقولهم، يقال: استخفه الفرح أي أزعجه، واستخفه أي حمله على الجهل، ومنه " ولا يستخفنك الذين لا يوقنون " (1) [الروم: 60]. وقيل: استفزهم بالقول فأطاعوه على، التكذيب. وقيل: استخف قومه أي وجدهم خفاف العقول. وهذا لا يدل على أنه يجب أن يطيعوه، فلابد من إضمار بعيد تقديره وجدهم خفاف العقول فدعاهم إلى الغواية فأطاعوه. وقيل: استخف قومه وقهرهم حتى اتبعوه، يقال استخفه خلاف استثقله، واستخف به أهانه. " إنهم كانوا قوما فاسقين " أي خارجين عن طاعة الله.
قوله تعالى: فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين (55) قوله تعالى: " فلما آسفونا انتقمنا منهم " روى الضحاك عن ابن عباس: أي غاظونا وأغضبونا. وروى عنه علي بن أبي طلحة: أي أسخطونا. قال الماوردي:
ومعناهما مختلف، والفرق بينهما أن السخط إظهار الكراهة، والغضب إرادة الانتقام . القشيري: والأسف ها هنا بمعنى الغضب، والغضب من الله إما إرادة العقوبة فيكون من صفات الذات، وإما عين العقوبة فيكون من صفات الفعل، وهو معنى قول الماوردي.