ويستحيل في المعقول أن يكون الطفل في حين ولادته يعقل كفرا أو إيمانا، لان الله أخرجهم في حال لا يفقهون معها شيئا، قال الله تعالى: " والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا " (1) [النحل:] فمن لا يعلم شيئا استحال منه كفر أو إيمان، أو معرفة أو إنكار. قال أبو عمر بن عبد البر: هذا أصح ما قيل في معنى الفطرة التي يولد الناس عليها. ومن الحجة أيضا في هذا قوله تعالى: " إنما تجزون ما كنتم تعملون " (2) [الطور:] و " كل نفس بما كسبت رهينة " (3) [المدثر:] ومن لم يبلغ وقت العمل لم يرتهن بشئ. وقال: " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " (4) ولما أجمعوا على دفع القود والقصاص والحدود والآثام عنهم في دار الدنيا كانت الآخرة أولى بذلك.
والله أعلم. ويستحيل أن تكون الفطرة المذكورة الاسلام، كما قال ابن شهاب، لان الاسلام والايمان: قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، وهذا معدوم من الطفل، لا يجهل ذلك ذو عقل. وأما قول الأوزاعي: سألت الزهري عن رجل عليه رقبة أيجزي عنه الصبي أن يعتقه وهو رضيع؟ قال نعم، لأنه ولد على الفطرة يعني الاسلام، فإنما أجزى عتقه عند من أجازه، لان حكمه حكم أبويه. وخالفهم آخرون فقالوا: لا يجزي في الرقاب الواجبة إلا من صام وصلى، وليس في قوله تعالى: " كما بدأكم تعودون " (5) [الأعراف:] ولا في (أن يختم الله للعبد بما قضاه له وقدره عليه): دليل على أن الطفل يولد حين يولد مؤمنا أو كافرا، لما شهدت له العقول أنه في ذلك الوقت ليس ممن يعقل إيمانا ولا كفرا، والحديث الذي جاء فيه: (أن الناس خلقوا على طبقات) ليس من الأحاديث التي لا مطعن فيها، لأنه انفرد به علي بن زيد بن جدعان، وقد كان شعبة (6) يتكلم فيه. على أنه يحتمل قوله: (يولد مؤمنا) أي يولد ليكون مؤمنا، ويولد ليكون كافرا على سابق علم الله فيه، وليس في قوله في الحديث (خلقت هؤلاء للجنة وخلقت هؤلاء للنار) أكثر من مراعاة ما يختم به لهم، لا أنهم في حين طفولتهم ممن يستحق جنة أو نارا، أو يعقل كفرا أو إيمانا.