قوله تعالى: (ربنا آتهم ضعفين من العذاب) قال قتادة: عذاب الدنيا وعذاب الآخرة. وقيل: عذاب الكفر وعذاب الاضلال، أي عذبهم مثلي ما تعذبنا فإنهم ضلوا وأضلوا. (والعنهم لعنا كبيرا) قرأ ابن مسعود وأصحابه ويحيى وعاصم بالباء. الباقون بالثاء، واختاره أبو حاتم وأبو عبيد والنحاس، لقوله تعالى: " أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون " (1) [البقرة: 159] وهذا المعنى كثير. وقال محمد بن أبي السري: رأيت في المنام كأني في مسجد عسقلان وكأن رجلا يناظرني فيمن يبغض أصحاب محمد فقال: والعنهم لعنا كثيرا، ثم كررها حتى غاب عني، لا يقولها إلا بالثاء. وقراءة الباء ترجع في المعنى إلى الثاء، لان ما كبر كان كثيرا عظيم المقدار.
قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها (69) لما ذكر الله تعالى المنافقين والكفار الذين آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، حذر المؤمنين من التعرض للايذاء، ونهاهم عن التشبه ببني إسرائيل في أذيتهم نبيهم موسى.
واختلف الناس فيما أوذي به محمد صلى الله عليه وسلم وموسى، فحكى النقاش أن أذيتهم محمدا عليه السلام قولهم: زيد بن محمد. وقال أبو وائل: أذيته أنه صلى الله عليه وسلم قسم قسما فقال رجل من الأنصار: إن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فغضب وقال: (رحم الله موسى لقد أوذي لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر). وأما أذية موسى صلى الله عليه وسلم فقال أبن عباس وجماعة: هي ما تضمنه حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه قال: (كان بنو إسرائيل يغتسلون عراة وكان موسى عليه السلام يتستر كثيرا ويخفى بدنه فقال قوم هو آدر (2) وأبرص أو به آفة، فانطلق ذات يوم يغتسل في عين بأرض الشأم وجعل ثيابه على صخرة ففر الحجر بثيابه واتبعه موسى عريانا يقول ثوبي حجر ثوبي حجر حتى انتهى إلى ملا من بني إسرائيل فنظروا إليه وهو من