قوله تعالى: فانظر إلى آثار رحمت الله كيف يحيى الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شئ قدير (50) قوله تعالى: (فانظر إلى أثر رحمة الله) يعني المطر، أي انظروا نظر استبصار واستدلال، أي استدلوا بذلك على أن من قدر عليه قادر على إحياء الموتى. وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي: " آثار " بالجمع. الباقون بالتوحيد، لأنه مضاف إلى مفرد.
والأثر فاعل " يحيي " ويجوز أن يكون الفاعل اسم الله عز وجل. ومن قرأ: " آثار " بالجمع فلان رحمة الله يجوز أن يراد بها الكثرة، كما قال تعالى: " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها " (1) [إبراهيم: 34].
وقرأ الجحدري وأبو حياة وغيرهما: " كيف تحيي الأرض " بتاء، ذهب بالتأنيث إلى لفظ الرحمة، لان أثر الرحمة يقوم مقامها فكأنه هو الرحمة، أي كيف تحيي الرحمة الأرض أو الآثار.
" ويحيي " أي يحيي الله عز وجل أو المطر أو الأثر فيمن قرأ بالياء. و " كيف يحيي الأرض " في موضع نصب على الحال على الحمل على المعنى لان اللفظ لفظ الاستفهام والحال خبر، والتقدير: فانظر إلى أثر رحمة الله محيية للأرض بعد موتها. (إن ذلك لمحيى الموتى وهو على كل شئ قدير) استدلال بالشاهد على الغائب.
قوله تعالى: ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون (51) قوله تعالى: (ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا) يعني الريح، والريح يجوز تذكيره.
قال محمد بن يزيد: لا يمتنع تذكير كل مؤنث غير حقيقي، نحو أعجبني الدار وشبهه. وقيل:
فرأوا السحاب. وقال ابن عباس: الزرع، وهو الأثر، والمعنى: فرأوا الأثر مصفرا، واصفرار الزرع بعد اخضراره يدل على يبسه، وكذا السحاب يدل على أنه لا يمطر، والريح على أنها لا تلقح (لظلوا من بعده يكفرون) أي ليظلن، وحسن وقوع الماضي في موضع المستقبل لما في الكلام من معنى المجازاة، والمجازاة لا تكون إلا بالمستقبل، قاله الخليل وغيره.