عز وجل: " تدمر كل شئ " (1) [الأحقاف:] ولم تدمر السماوات والأرض. وقوله: " فتحنا عليهم أبواب كل شئ " (2) [الانعام:] ولم تفتح عليهم أبواب الرحمة. وقال إسحاق بن راهويه الحنظلي: تم الكلام عند قوله: " فأقم وجهك للدين حنيفا " ثم قال: " فطرة الله " أي فطر الله الخلق فطرة إما بجنة أو نار، وإليه أشار النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (كل مولود يولد على الفطرة) ولهذا قال: " لا تبديل لخلق الله " قال شيخنا أبو العباس: من قال هي سابقة السعادة والشقاوة فهذا إنما يليق بالفطرة المذكورة في القرآن، لان الله تعالى قال: " لا تبديل لخلق الله " وأما في الحديث فلا، لأنه قد أخبر في بقية الحديث بأنها تبدل وتغير. وقالت طائفة من أهل الفقه والنظر: الفطرة هي الخلقة التي خلق عليها المولود في المعرفة بربه، فكأنه قال: كل مولود يولد على خلقة يعرف بها ربه إذا بلغ مبلغ المعرفة، يريد خلقة مخالفة لخلقة البهائم التي لا تصل بخلقتها إلى معرفته. واحتجوا على أن الفطرة الخلقة، والفاطر الخالق، لقول الله عز وجل: " الحمد لله فاطر السماوات (3) والأرض " [فاطر:] يعني خالقهن، وبقوله: " وما لي لا أعبد الذي فطرني " (4) [يس:] يعني خلقني، وبقوله: " الذي فطرهن " (5) [الأنبياء:] يعني خلقهن. قالوا: فالفطرة الخلقة، والفاطر الخالق، وأنكروا أن يكون المولود يفطر على كفر أو إيمان أو معرفة أو إنكار. قالوا:
وإنما المولود على السلامة في الأغلب خلقة وطبعا وبنية ليس معها إيمان ولا كفر ولا إنكار ولا معرفة، ثم يعتقدون الكفر والايمان بعد البلوغ إذا ميزوا. واحتجوا بقوله في الحديث:
(كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء - يعني سالمة - هل تحسون فيها من جدعاء) يعني مقطوعة الأذن.
فمثل قلوب بني آدم بالبهائم لأنها تولد كاملة الخلق ليس فيها نقصان، ثم تقطع آذانها بعد وأنوفها، فيقال: هذه بحائر وهذه سوائب (6). يقول: فكذلك قلوب الأطفال في حين ولادتهم ليس لهم كفر ولا إيمان، ولا معرفة ولا إنكار كالبهائم السائمة، فلما بلغوا استهوتهم الشياطين فكفر أكثرهم، وعصم الله أقلهم. قالوا: ولو كان الأطفال قد فطروا على شئ من الكفر والايمان في أولية أمورهم ما انتقلوا عنه أبدا، وقد نجدهم يؤمنون ثم يكفرون. قالوا: