هذا أدل دليل على ما ذهب إليه الجمهور من فقهائنا، وفقهاء أصحاب الإمام الشافعي وبعض الأصوليين، من أن صيغة " أفعل " للوجوب في أصل وضعها، لان الله تبارك وتعالى نفى خيرة المكلف عند سماع أمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم أطلق على من بقيت له خيرة عند صدور الامر أسم المعصية، ثم علق على المعصية بذلك الضلال، فلزم حمل الامر على الوجوب. والله أعلم.
قوله تعالى: وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفى في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا (37) فيه تسع مسائل:
الأولى - روى الترمذي قال: حدثنا علي بن حجر قال حدثنا داود بن الزبرقان عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية: " وإذ تقول للذي أنعم الله عليه " يعني بالاسلام " وأنعمت عليه " بالعتق فأعتقته. " أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه - إلى قوله - وكان أمر الله مفعولا " وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوجها قالوا: تزوج حليلة ابنه، فأنزل الله تعالى:
" ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين " [الأحزاب: 40]. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم تبناه وهو صغير، فلبث حتى صار رجلا يقال له زيد بن محمد، فأنزل الله تبارك وتعالى " ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم " [الأحزاب: 5]