يتدبرون، وكانوا كمن لا يبصر ولا يسمع، فلما تنبهوا في الآخرة صاروا حينئذ كأنهم سمعوا وأبصروا. وقيل: أي ربنا لك الحجة، فقد أبصرنا رسلك وعجائب خلقك في الدنيا، وسمعنا كلامهم فلا حجة لنا. فهذا اعتراف منهم، ثم طلبوا أن يردوا إلى الدنيا ليؤمنوا.
قوله تعالى: ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول منى لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين (13) قال محمد بن كعب القرظي: لما قالوا: " ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون " رد عليهم بقوله: " ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها " يقول: لو شئت لهديت الناس جميعا فلم يختلف منهم أحد " ولكن حق القول مني " الآية، ذكره ابن المبارك في (رقائقه) في حديث طويل. وقد ذكرناه في {التذكرة}. النحاس: " ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها " في معناه قولان: أحدهما: أنه في الدنيا. والآخر: أن سياق الكلام يدل على أنه في الآخرة، أي لو شئنا لرددناهم إلى الدنيا والمحنة كما سألوا " ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين " أي حق القول مني لأعذبن من عصاني بنار جهنم. وعلم الله تبارك وتعالى [أنه] لو ردهم لعادوا، كما قال تعالى: " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه " [الانعام: 28].
وهذه الهداية معناها خلق المعرفة في القلب. وتأويل المعتزلة: ولو شئنا لأكرهناهم على الهداية بإظهار الآيات الهائلة، لكن لا يحسن منه فعله، لأنه ينقض الغرض المجرى بالتكليف إليه وهو الثواب الذي لا يستحق إلا بما يفعله المكلف باختياره. وقالت الامامية في تأويلها: إنه يجوز أن يريد هداها إلى طريق الجنة في الآخرة ولم يعاقب أحدا، لكن حق القول منه أنه يملا جهنم، فلا يجب على الله تعالى عندنا هداية الكل إليها، قالوا: بل الواجب هداية المعصومين، فأما من له ذنب فجائز هدايته إلى النار جزاء على أفعاله. وفي جواز ذلك منع، لقطعهم على أن المراد هداها إلى الايمان. وقد تكلم