فأخبر أنه بمكة، فجاء إليه فهلك عنده. وروى أنه جاء إليه فخيره النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا وانصرف. وسيأتي من ذكره وفضله وشرفه شفاء عند قوله: " فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها " (1) [الأحزاب: 37] إن شاء الله تعالى. وقتل زيد بمؤتة من أرض الشأم سنة ثمان من الهجرة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أمره في تلك الغزاة، وقال: (إن قتل زيد فجعفر فإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة). فقتل الثلاثة في تلك الغزاة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. ولما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعي زيد وجعفر بكى وقال: (أخواي ومؤنساي ومحدثاي).
قوله تعالى: ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما (5) فيه ست مسائل:
الأولى - قوله تعالى: (أدعوهم لآبائهم) نزلت في زيد بن حارثة على ما تقدم بيانه. وفي قول ابن عمر: ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد دليل على أن التبني كان معمولا به في الجاهلية والاسلام يتوارث به ويتناصر إلى أن نسخ الله ذلك بقوله: (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) أي أعدل. فرفع الله حكم التبني ومنع من إطلاق لفظه وأرشد بقوله إلى أن الأولى والأعدل أن ينسب الرجل إلى أبيه نسبا فيقال: كان الرجل في الجاهلية إذا أعجبه من الرجل جلده وظرفه ضمه إلى نفسه وجعل له نصيب الذكر من أولاده من ميراثه وكان ينسب إليه فيقال فلان بن فلان. وقال النحاس:
هذه الآية ناسخة لما كانوا عليه من التبني وهو من نسخ السنة بالقرآن فأمر أن يدعوا من دعوا إلى أبيه المعروف فإن لم يكن له أب معروف نسبوه إلى ولائه فإن لم يكن له ولاء معروف قال له يا أخي يعنى في الدين قال الله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة) (2).