قوله تعالى: (عزيز عليه ما عنتم) أي يعز عليه مشقتكم. والعنت: المشقة، من قولهم: أكمة عنوت إذا كانت شاقة مهلكة. وقال ابن الأنباري: أصل التعنت التشديد، فإذا قالت العرب: فلان يتعنت فلانا ويعنته فمرادهم يشدد عليه ويلزمه بما يصعب عليه أداؤه. وقد تقدم في [البقرة] (1). " وما " في " ما عنتم " مصدرية، وهي ابتداء و " عزيز " خبر مقدم. ويجوز أن يكون " ما عنتم " فاعلا بعزيز، و " عزيز " صفة للرسول، وهو أصوب. وكذا " حريص عليكم " وكذا " رؤوف رحيم " رفع على الصفة. قال الفراء:
ولو قرئ عزيزا عليه ما عنتم حريصا رؤوفا رحيما، نصبا على الحال جاز. قال أبو جعفر النحاس:
وأحسن ما قيل في معناه مما يوافق كلام العرب ما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا عبد الله بن محمد الخزاعي قال سمعت عمرو بن علي يقول: سمعت عبد الله بن داود الخريبي يقول في قوله عز وجل: " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم " قال: أن تدخلوا النار، (حريص عليكم) قال: أن تدخلوا الجنة. وقيل: حريص عليكم أن تؤمنوا.
وقال الفراء: شحيح بأن تدخلوا النار. والحرص على الشئ: الشح عليه أن يضيع ويتلف.
(بالمؤمنين رؤوف رحيم) الرؤوف: المبالغ في الرأفة والشفقة. وقد تقدم في [البقرة] معنى " رؤوف رحيم " مستوفى (2). وقال الحسين بن الفضل: لم يجمع الله لاحد من الأنبياء اسمين من أسمائه إلا للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه قال: " بالمؤمنين رؤوف رحيم " وقال:
" إن الله بالناس لرءوف رحيم " [الحج: 65]. وقال عبد العزيز بن يحيى: نظم الآية لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز حريص بالمؤمنين رؤوف رحيم، عزيز عليه ما عنتم لا يهمه إلا شأنكم، وهو القائم بالشفاعة لكم فلا تهتموا بما عنتم ما أقمتم على سنته، فإنه لا يرضيه إلا دخولكم الجنة.
قوله تعالى: (فإن تولوا فقل حسبي الله) أي إن أعرض الكفار يا محمد بعد هذه النعم التي من الله عليهم بها فقل حسبي الله أي كافي الله تعالى. (لا إله إلا هو عليه توكلت) أي اعتمدت وإليه فوضت جميع أموري. (وهو رب العرش العظيم) خص العرش