الثالثة - قوله تعالى: (لمسجد أسس على التقوى) أي بنيت جدره ورفعت قواعده. والاس أصل البناء، وكذلك الأساس. والأسس مقصور منه. وجمع الاس إساس، مثل عس وعساس. وجمع الأساس أسس، مثل قذال وقذل. وجمع الأسس أساس، مثل سبب وأسباب. وقد أسست البناء تأسيسا. وقولهم: كان ذلك على أس الدهر، وأس الدهر، وإس الدهر، ثلاث لغات، أي على قدم الدهر ووجه الدهر.
واللام في قوله " لمسجد " لام قسم. وقيل لام الابتداء، كما تقول: لزيد أحسن الناس فعلا، وهي مقتضية تأكيدا. " أسس على التقوى " نعت لمسجد. " أحق " خبر الابتداء الذي هو " لمسجد " ومعنى التقوى هنا الخصال التي تتقى بها العقوبة، وهي فعلى من وقيت، وقد تقدم (1).
الرابعة - واختلف العلماء في المسجد الذي أسس على التقوى، فقالت طائفة: هو مسجد قباء، يروى عن ابن عباس والضحاك والحسن. وتعلقوا بقوله: " من أول يوم "، ومسجد قباء كان أسس بالمدينة أول يوم، فإنه بني قبل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، قاله ابن عمر وابن المسيب، ومالك فيما رواه عنه ابن وهب وأشهب وابن القاسم. وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري: قال تماري (2) رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم، فقال رجل هو مسجد قباء، وقال آخر هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هو مسجدي هذا). [قال] (3) حديث صحيح. والقول الأول أليق بالقصة، لقوله: " فيه " وضمير الظرف يقتضي الرجال المتطهرين، فهو مسجد قباء.
والدليل على ذلك حديث أبي هريرة قال: نزلت هذه الآية في أهل قباء " فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين " قال: كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية.
قال الشعبي: هم أهل مسجد قباء، أنزل الله فيهم هذا. وقال قتادة: لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل قباء: (إن الله سبحانه قد أحسن عليكم الثناء