فيه عشر مسائل:
الأولى - قوله تعالى: (الذين اتخذوا مسجدا) معطوف، أي ومنهم الذين اتخذوا مسجدا، عطف جملة على جملة. ويجوز أن يكون رفعا بالابتداء والخبر محذوف كأنهم (1) " يعذبون " أو نحوه. ومن قرأ " الذين " بغير واو وهي قراءة المدنيين فهي عنده رفع بالابتداء، والخبر " لا تقم " التقدير: الذين اتخذوا مسجدا لا تقم فيه أبدا، أي لا تقم في مسجدهم، قاله الكسائي. وقال النحاس: يكون خبر الابتداء " لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم " [التوبة: 110]. وقيل: الخبر " يعذبون " كما تقدم. ونزلت الآية فيما روي في أبو عامر الراهب، لأنه كان خرج إلى قيصر وتنصر ووعدهم قيصر أنه سيأتيهم، فبنوا مسجد الضرار يرصدون مجيئه فيه، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم، وقد تقدمت قصته في الأعراف (2) وقال أهل التفسير: إن بني عمرو بن عوف اتخذوا مسجد قباء وبعثوا للنبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم فأتاهم فصلى فيه، فحسدهم إخوانهم بنو غنم بن عوف وقالوا: نبني مسجدا ونبعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم يأتينا فيصلي لنا كما صلى في مسجد إخواننا، ويصلي فيه أبو عامر إذا قدم من الشام، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز إلى تبوك فقالوا: يا رسول الله، قد بنينا مسجدا لذي الحاجة، والعلة والليلة المطيرة، ونحب أن تصلي لنا فيه وتدعو بالبركة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (إني على سفر وحال شغل فلو قدمنا لأتيناكم وصلينا لكم فيه) فلما أنصرف النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك أتوه وقد فرغوا منه وصلوا فيه الجمعة والسبت والأحد، فدعا بقميصه ليلبسه ويأتيهم فنزل عليه القرآن بخبر مسجد الضرار، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشم ومعن بن عدي وعامر بن السكن ووحشيا قاتل حمزة، فقال: (انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه وأحرقوه) فخرجوا مسرعين، وأخرج مالك بن الدخشم من منزله شعلة نار، ونهضوا فأحرقوا المسجد وهدموه، وكان الذين بنوه أثني عشر رجلا: خذام بن خالد من بني عبيد بن زيد أحد بني عمرو بن عوف