الثانية - قوله تعالى: " إذا نصحوا " النصح إخلاص العمل من الغش. ومنه التوبة النصوح. قال نفطويه: نصح الشئ إذا خلص. ونصح له القول أي أخلصه له.
وفي صحيح مسلم عن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدين النصيحة) ثلاثا. قلنا لمن؟ قال: (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ". قال العلماء:
النصيحة لله إخلاص الاعتقاد في الوحدانية، ووصفه بصفات الألوهية، وتنزيهه عن النقائص والرغبة في محابه والبعد من مساخطه. والنصيحة لرسوله: التصديق بنبوته، والتزام طاعته في أمره ونهيه، وموالاة من والاه ومعاداة من عاداه، وتوقيره، ومحبته ومحبة آل بيته، وتعظيمه وتعظيم سنته، وإحياؤها بعد موته بالبحث عنها، والتفقه فيها والذب عنها ونشرها والدعاء إليها، والتخلق بأخلاقه الكريمة صلى الله عليه وسلم. وكذا النصح لكتاب الله: قراءته والتفقه فيه، والذب عنه وتعليمه وإكرامه والتخلق به. والنصح لائمة المسلمين: ترك الخروج عليهم، إرشادهم إلى الحق وتنبيههم فيما أغفلوه من أمور المسلمين، ولزوم طاعتهم والقيام بواجب حقهم. والنصح للعامة: ترك معاداتهم، وإرشادهم وحب الصالحين منهم، والدعاء لجميعهم وإرادة الخير لكافتهم. وفي الحديث الصحيح (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
الثالثة - قوله تعالى: (ما على المحسنين من سبيل) " من سبيل " في موضع رفع اسم " ما " أي من طريق إلى العقوبة. وهذه الآية أصل في رفع العقاب عن كل محسن.
ولهذا قال علماؤنا في الذي يقتص من قاطع يده فيفضي ذلك في السراية إلى إتلاف نفسه:
إنه لا دية له (1)، لأنه محسن في اقتصاصه من المعتدي عليه. وقال أبو حنيفة: تلزمه الدية.
وكذلك إذا صال فحل على رجل فقتله في دفعه عن نفسه فلا ضمان عليه، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: تلزمه لمالكه القيمة. قال ابن العربي: وكذلك القول في مسائل الشريعة كلها.