بتفضيل البصر على السمع، لان السمع لا يدرك به إلا الأصوات والكلام، والبصر يدرك به الأجسام والألوان والهيئات كلها. قالوا: فلما كانت تعلقاته أكثر كان أفضل، وأجازوا الادراك بالبصر من الجهات الست.
الثامنة - إن قال قائل: لم جمع الابصار ووحد السمع؟ قيل له: إنما وحده لأنه مصدر يقع للقليل والكثير يقال: سمعت الشئ أسمعه سمعا وسماعا، فالسمع مصدر سمعت، والسمع أيضا اسم للجارحة المسموع بها سميت بالمصدر. وقيل: إنه لما أضاف السمع إلى الجماعة دل على أنه يراد به أسماع الجماعة، كما قال الشاعر: (1) بها جيف الحسرى فأما عظامها * فبيض وأما جلدها فصليب إنما يريد جلودها فوحد، لأنه قد علم أنه لا يكون للجماعة جلد واحد.
وقال آخر (2) في مثله:
لا تنكر القتل وقد سبينا * في حلقكم عظم وقد شجينا يريد في حلوقكم، ومثله قول الآخر:
كأنه وجه تركيين قد غضبا * مستهدف لطعان غير تذبيب وإنما يريد وجهين، فقال وجه تركيين، لأنه قد علم أنه لا يكون للاثنين وجه واحد، ومثله كثير جدا. وقرئ: " وعلى أسماعهم " ويحتمل أن يكون المعنى وعلى مواضع سمعهم، لان السمع لا يختم وإنما يختم موضع السمع، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. وقد يكون السمع بمعنى الاستماع، يقال: سمعك حديثي - أي استماعك إلى حديثي - يعجبني، ومنه قول ذي الرمة يصف ثورا تسمع إلى صوت صائد وكلاب:
وقد توجس ركزا مقفر ندس * بنبأة الصوت ما في سمعه كذب