رسالته من الله فما زلتم في شك مما جاءكم به ما دام حيا حتى إذا هلك ومات قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا فناقضتم أنفسكم ولم تبالوا.
ثم أكده - وهو في معنى التعليل - بقوله: " كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب ".
قوله تعالى: " الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم " الخ وصف لكل مسرف مرتاب فإن من تعدى طوره بالاعراض عن الحق واتباع الهوى واستقر في نفسه الارتياب فكان لا يستقر على علم ولا يطمئن إلى حجة تهديه إلى الحق جادل في آيات الله بغير برهان إذا خالفت مقتضى هواه.
وقوله: " كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار " يفيد أن قلوبهم مطبوع عليها فلا يفقهون حجة ولا يركنون إلى برهان.
قوله تعالى: " وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا - إلى قوله - في تباب " أمر منه لوزيره هامان أن يبني له بناء يتوصل به إلى الاطلاع إلى إله موسى ولعله أصدر هذا الامر أثناء محاجة الذي آمن وبعد الانصراف عن قتل موسى ولذلك وقع ذكره بين مواعظ الذي آمن واحتجاجاته.
والصرح - على ما في المجمع - البناء الظاهر الذي لا يخفى على عين الناظر وإن بعد، والأسباب جمع سبب وهو ما تتوصل به إلى ما يبتعد عنك.
وقوله: " لعلي أبلغ الأسباب " في معنى التعليل لامره ببناء الصرح، والمعنى آمرك ببنائه لأني أرجو أن أبلغ بالصعود عليه الأسباب ثم فسر الأسباب بقوله:
" أسباب السماوات " وفرع عليه قوله: " فأطلع إلى إله موسى " كأنه يقول: إن الاله الذي يدعوه ويدعو إليه موسى ليس في الأرض إذ لا إله فيها غيري فلعله في السماء فابن لي صرحا لعلي أبلغ بالصعود عليه الأسباب السماوية الكاشفة عن خبايا السماء فأطلع؟ من جهتها إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا.
وقيل: إن مراده أن يبني له رصدا يرصد فيه الأوضاع السماوية لعله يعثر فيها على ما يستدل به على وجود إله موسى بعد اليأس عن الظفر عليه بالوسائل الأرضية