وهذا ظهور مما رسخ في نفوسهم في الدنيا من الالتجاء بكبريائهم ومتبوعيهم من دون الله يظهر منهم ذلك يوم القيامة وهم يعلمون أنهم في يوم لا تغني فيه نفس عن نفس شيئا والامر يومئذ لله وله نظائر محكية عنهم في كلامه تعالى من كذبهم يومئذ وخلفهم وإنكارهم أعمالهم وتكذيب بعضهم لبعض وغير ذلك.
وقوله: " قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد " جواب من مستكبريهم عن قولهم ومحصله أن اليوم يوم جزاء لا يوم عمل فالأسباب ساقطة عن التأثير وقد طاحت منا ما كنا نتوهمه لأنفسنا في الدنيا من القوة والقدرة فحالنا وحالكم - ونحن جميعا في النار - واحدة.
فقولهم: " إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد " مفاده أن ظهور الحكم الإلهي قد أبطل أحكام سائر الأسباب وتأثيراتها وأثبتنا على ما نحن فيه من الحال في حد سواء فلسنا نختص دونكم بقوة حتى نغني عنكم شيئا من العذاب.
ومما قيل في الآية أن الضمير في قوله: " يتحاجون " لمطلق الكفار من أهل النار وهو بعيد كما عرفت، وقيل: الضمير لقريش وهو أبعد.
قوله تعالى: " وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب " مكالمة بين أهل النار - ومنهم آل فرعون - وبين خزنة جهنم أوردها سبحانه تلو قصة آل فرعون، وهم إنما سألوا الخزنة أن يدعوا لهم ليأسهم من أن يستجاب منهم أنفسهم.
والمراد باليوم من العذاب ما يناسب من معنى اليوم لعالمهم الذي هم فيه، ويؤل معناه إلى قطعة من العذاب.
قوله تعالى: " قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال " أجابوهم بالاستخبار عن إتيان رسلهم إياهم بالبينات فاعترفوا بذلك وهو اعتراف منهم بأنهم كفروا بهم مع العلم بكونهم على الحق وهو الكفر بالنبوة فلم يجبهم الخزنة فيما سألوهم من الدعاء إثباتا ولا نفيا بل ردوهم إلى أنفسهم مشيرين إلى أنهم لا يستجاب لهم دعاء.