وفي الآخرة وهي التي يتبعها رجوع الخلق إليه لفصل القضاء بينهم، قال تعالى: " يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده " أسرى: 52.
ومن المعلوم كما قررناه في ذيل قوله تعالى: " هو الذي يريكم آياته " الآية 13 من السورة أن الربوبية لا تتم بدون دعوة في الدنيا ونظيرتها الدعوة في الآخرة، وإذ كان الذي يدعوهم إليه ذا دعوة في الدنيا والآخرة دون ما يدعونه إليه فهو الاله دون ما يدعون إليه.
وقوله: " وإن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار " معطوف على قوله:
" أن ما تدعونني " أي لا جرم أن مردنا إلى الله فيجب الاسلام له واتباع سبيله ورعاية حدود العبودية، ولا جرم أن المسرفون وهم المتعدون طور العبودية - وهم أنتم - أصحاب النار فالذي أدعوكم إليه فيه النجاة دون ما تدعونني إليه.
قوله تعالى: " فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد " صدر الآية موعظة وتخويف لهم وهو تفريع على قوله: " وأن مردنا إلى الله " الخ أي إذ كان لابد من الرجوع إلى الله وحلول العذاب بالمسرفين وأنتم منهم ولم تسمعوا اليوم ما أقول لكم فستذكرون ما أقول لكم حين عاينتم العذاب وتعلمون عند ذاك أني كنت ناصحا لكم.
وقوله: " وأفوض أمري إلى الله " التفويض على ما فسره الراغب هو الرد فتفويض الامر إلى الله رده إليه فيقرب من معنى التوكل والتسليم والاعتبار مختلف:
فالتفويض من العبد رده ما نسب إليه من الامر إلى الله سبحانه وحال العبد حينئذ حال من هو أعزل لا أمر راجعا إليه، والتوكل من العبد جعله ربه وكيلا يتصرف فيما له من الامر، والتسليم من العبد مطاوعته المحضة لما يريده الله سبحانه فيه ومنه من غير نظر إلى انتساب أمر إليه فهي مقامات ثلاث من مقامات العبودية: التوكل ثم التفويض وهو أدق من التوكل ثم التسليم وهو أدق منهما.
وقوله: " إن الله بصير بالعباد " تعليل لتفويضه أمره إلى الله، وفي وضع اسم الجلالة موضع ضميره - و كان مقتضى الظاهر الاضمار إشارة إلى علة بصيرته بالعباد كأنه قيل: إنه بصير بالعباد لأنه الله عز اسمه.