قوله تعالى: " إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب " الخطفة الاختلاس والاستلاب، والشهاب ما يرى في الجو كالكوكب المنقض، والثقوب الركوز وسمي الشهاب ثاقبا لأنه لا يخطئ هدفه وغرضه.
والمراد بالخطفة اختلاس السمع وقد عبر عنه في موضع آخر باستراق السمع قال تعالى: " إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين " الحجر: 18، والاستثناء من ضمير الفاعل في قوله: " لا يسمعون " وجوز بعضهم كون الاستثناء منقطعا.
ومعنى الآيات الخمس: إنا زينا السماء التي هي أقرب السماوات منكم - أو السماء السفلي بزينة وهي الكواكب، وحفظناها حفظا من كل شيطان خبيث عار من الخير ممنوعين من الاصغاء إلى الملأ الأعلى - للاطلاع إلى ما يلقون بين أنفسهم من أخبار الغيب - ويرمون من كل جهة حال كونهم مطرودين ولهم عذاب لازم لا يفارقهم إلا من اختلس من أخبارهم الاختلاسة فأتبعه شهاب ثاقب لا يخطئ غرضه.
(كلام في معنى الشهب) أورد المفسرون أنواعا من التوجيه لتصوير استراق السمع من الشياطين ورميهم بالشهب وهي مبنية على ما يسبق إلى الذهن من ظاهر الآيات والاخبار ان هناك أفلاكا محيطة بالأرض تسكنها جماعات الملائكة ولها أبواب لا يلج فيها شئ إلا منها وأن في السماء الأولى جمعا من الملائكة بأيديهم الشهب يرصدون المسترقين للسمع من الشياطين فيقذفونهم بالشهب.
وقد اتضح اليوم اتضاح عيان بطلان هذه الآراء ويتفرع على ذلك بطلان الوجوه التي أوردوها في تفسير الشهب وهي وجوه كثيرة أودعوها في المطولات كالتفسير الكبير للرازي وروح المعاني للآلوسي وغيرهما.
ويحتمل - والله العالم أن هذه البيانات في كلامه تعالى من قبيل الأمثال المضروبة تصور بها الحقائق الخارجة عن الحس في صورة المحسوس لتقريبها من الحس وهو القائل عز وجل: " وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون " العنكبوت: 43.