على أن العصمة - وهي قوة يمتنع معها صدور المعصية - من شؤون مقام العلم - كما تقدمت الإشارة إليه في تفسير قوله تعالى: " وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شئ " النساء: 113 - لا تنافي ثبوت الاختيار الذي هو من شؤون مقام العمل وصحة صدور الفعل والترك عن الجوارح.
فمنع العلم القطعي بمفسدة شئ منعا قطعيا عن صدوره عن العالم به كمنع العلم بأثر السم عن شربه لا ينافي كون العالم بذلك مختارا في الفعل لصحة صدوره ولا صدوره عن جوارحه فالعصمة لا تنافي بوجه التكليف.
ومما تقدم يظهر ضعف ما يستفاد من بعضهم أن نهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن الشرك ونحوه نهي صوري والمراد به نهي أمته فهو من قبيل " إياك أعني واسمعي يا جارة ".
ووجه الضعف ظاهر مما تقدم، وأما قولنا كما ورد في بعض الروايات أن هذه الخطابات القرآنية من قبيل " إياك أعني واسمعي يا جارة " فمعناه أن التكليف لما كان من ظاهر أمره أن يتعلق بمن يجوز عليه الطاعة والمعصية فلو تعلق بمن ليس منه إلا الطاعة مع مشاركة غيره له كان ذلك تكليفا على وجه أبلغ كالكناية التي هي أبلغ من التصريح.
وقوله: " ولتكونن من الخاسرين " ظهر معناه مما تقدم ويمكن أن يكون اللام في الخاسرين مفيدا للعهد، والمعنى ولتكونن من الخاسرين الذين كفروا بآيات الله وأعرضوا عن الحجج الدالة على وحدانيته.
قوله تعالى: " بل الله فاعبد وكن من الشاكرين " إضراب عن النهي المفهوم من سابق الكلام كأنه قيل: فلا تعبد غير الله بل الله فاعبد، وتقديم اسم الجلالة للدلالة على الحصر.
والفاء في " فاعبد " زائدة للتأكيد على ما قيل، وقيل: هي فاء الجزاء وقد حذف شرطه والتقدير بل إن كنت عابدا أو عاقلا فاعبد الله.
وقوله: " وكن من الشاكرين " أي وكن بعبادتك له من الذين يشكرونه على نعمه الدالة على توحده في الربوبية والألوهية، وقد تقدم في تفسير قوله تعالى: " وسيجزي الله الشاكرين " آل عمران: 144 وقوله: " ولا تجد أكثرهم شاكرين " الأعراف: