الشرك بنص القرآن في آيات كثيرة وقد مر أيضا أن قوله: " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " النساء: 48 ناظر إلى الشفاعة والآية أعني قوله: " إن الله يغفر الذنوب جميعا " موردها الشرك وسائر الذنوب.
فلا يبقى إلا أن يكون المراد المغفرة الحاصلة بالتوبة وكلامه تعالى صريح في مغفرة الذنوب جميعا حتى الشرك بالتوبة.
على أن الآيات السبع - كما عرفت - كلام واحد ذو سياق واحد متصل ينهى عن القنوط - وهو تمهيد لما يتلوه - ويأمر بالتوبة والاسلام والعمل الصالح وليست الآية الأولى كلاما مستقلا منقطعا عما يتلوه حتى يحتمل عدم تقييد عموم المغفرة فيها بالتوبة وأي سبب آخر مفروض للمغفرة.
والآية أعني قوله: " إن الله يغفر الذنوب جميعا " من معارك الآراء بينهم فقد ذهب قوم إلى تقييد عموم المغفرة فيها بالشرك وسائر الكبائر التي وعد الله عليها النار مع عدم تقييد العموم بالتوبة فالمغفرة لا تنال إلا الصغائر من الذنوب.
وذهب آخرون إلى إطلاق المغفرة وعدم تقيدها بالتوبة ولا بسبب آخر من أسباب المغفرة غير أنهم قيدوها بالشرك لصراحة قوله: " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " الآية فاستنتجوا عموم المغفرة وإن لم يكن هناك سبب مخصص يرجح المذنب المغفور له على غيره في مغفرته كالتوبة والشفاعة وهي المغفرة الجزافية وقد استدلوا على (1) ذلك بوجوه غير سديدة.
وأنت خبير بأن مورد الآية هو الشرك وسائر الذنوب، ومن المعلوم من كلامه تعالى أن الشرك لا يغفر إلا بالتوبة فتقيد إطلاق المغفرة في الآية بالتوبة مما لا مفر منه.
قوله تعالى: " وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون " عطف على قوله: " لا تقنطوا "، والإنابة إلى الله الرجوع إليه وهو التوبة، وقوله: