وفيه أن صحة استعارة النور للعدل في نفسه لا تستلزم كون المراد بالنور في الآية هو العدل إلا بدليل يدل عليه ولم يأت به.
وفي الكشاف قد استعار الله عز وجل النور للحق والبرهان في مواضع من التنزيل وهذا من ذاك، والمعنى وأشرقت الأرض بما يقيمه فيها من الحق والعدل ويبسطه من القسط في الحساب ووزن الحسنات والسيئات.
وينادي عليه بأنه مستعار إضافته إلى اسمه لأنه هو الحق العدل، وإضافة اسمه إلى الأرض لأنه يزينها حيث ينشر فيها عدله وينصب فيها موازين قسطه، ويحكم بالحق بين أهلها، ولا ترى أزين للبقاع من العدل ولا أعمر لها منه، وفي هذه الإضافة أن ربها وخالقها هو الذي يعدل فيها وإنما يجور فيها غير ربها، ثم ما عطف على إشراق الأرض من وضع الكتاب والمجئ بالنبيين والشهداء والقضاء بالحق وهو النور المذكور، وترى الناس يقولون للملك العادل: أشرقت الآفاق بعدلك وأضاءت الدنيا بقسطك كما تقول أظلمت البلاد بجور فلان قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الظلم ظلمات يوم القيامة وكما فتح الآية بإثبات العدل ختمها بنفي الظلم. انتهى وفيه أولا: أن قوله إن النور مستعار في مواضع كثيرة من القرآن للحق والقرآن والبرهان فاستعارته للحق والبرهان غير ظاهر في شئ من الآيات.
وثانيا: ان الحق والعدل مفهومان متغايران وإن كانا ربما يتصادقان وكون النور في الآية مستعارا للحق لا يستلزم كون العدل مرادا به، ولذا لما أراد بيان إرادة العدل من النور ذكر الحق مع العدل ثم استنتج للعدل دون الحق.
ولا يبعد أن يراد - والله أعلم - من إشراق الأرض بنور ربها ما هو خاصة يوم القيامة من انكشاف الغطاء وظهور الأشياء بحقائقها وبدو الأعمال من خير أو شر أو طاعة أو معصية أو حق أو باطل للناظرين، وإشراق الشئ هو ظهوره بالنور ولا ريب أن مظهرها يومئذ هو الله سبحانه إذ الأسباب ساقطة دونه فالأشياء مشرقة بنور مكتسب منه تعالى.
وهذا الاشراق وإن كان عاما لكل شئ يسعه النور لكن لما كان الغرض بيان ما للأرض وأهله يومئذ من الشأن خصها بالبيان فقال: " وأشرقت الأرض بنور ربها "