17 أن مصداق الشاكرين بحقيقة معنى الكلمة هم المخلصون بفتح اللام فراجع.
قوله تعالى: " وما قدروا الله حق قدره " إلى آخر الآية قدر الشئ هو مقداره وكميته من حجم أو عدد أو وزن وما أشبه ذلك ثم استعير للمعنويات من المكانة والمنزلة.
فقوله: " وما قدروا الله حق قدره " تمثيل أريد به عدم معرفتهم به تعالى واجب المعرفة إذ لم يعرفوه من حيث المعاد ورجوع الأشياء إليه كما يدل عليه تعقيب الجملة بقوله: " والأرض جميعا قبضته يوم القيامة " إلى آخر السورة حيث ذكر فيه انقطاع كل سبب دونه يوم القيامة، وقبضه الأرض وطيه السماوات ونفخ الصور لإماتة الكل ثم لاحيائهم وإشراق الأرض بنور ربها ووضع الكتاب والمجئ بالنبيين والشهداء والقضاء وتوفية كل نفس ما عملت وسوق المجرمين إلى النار والمتقين إلى الجنة فمن كان شأنه في الملك والتصرف هذا الشأن وعرف بذلك أوجبت هذه المعرفة الاقبال إليه بعبادته وحده والاعراض عن غيره بالكلية.
لكن المشركين لما لم يؤمنوا بالمعاد ولم يقدروه حق قدره ولم يعرفوه واجب معرفته أعرضوا عن عبادته إلى عبادة من سواه.
وقوله: " والأرض جميعا قبضته يوم القيامة " أي الأرض بما فيها من الاجزاء والأسباب الفعالة بعضها في بعض، والقبضة مصدر بمعنى المقبوضة، والقبض على الشئ وكونه في القبضة كناية عن التسلط التام عليه أو انحصار التسلط عليه في القابض والمراد ههنا المعنى الثاني كما يدل عليه قوله تعالى: " والامر يومئذ لله " الانفطار: 19 وغيره من الآيات.
وقد مر مرارا أن معنى انحصار الملك والامر والحكم والسلطان وغير ذلك يوم القيامة فيه تعالى ظهور ذلك لأهل الجمع يومئذ وإلا فهي له تعالى دائما فمعنى كون الأرض جميعا قبضته يوم القيامة ظهور ذلك يومئذ للناس لا أصله.
وقوله: " والسماوات مطويات بيمينه " يمين الشئ يده اليمنى وجانبه القوى ويكنى بها عن القدرة، ويستفاد من السياق أن محصل الجملتين أعني قوله: " والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه " تقطع الأسباب الأرضية والسماوية وسقوطها وظهور أن لا مؤثر في الوجود إلا الله سبحانه.