ثم يذكر سبحانه أن المشركين ما عرفوه واجب معرفته وإلا لم يرتابوا في ربوبيته لهم ولا عبدوا غيره ثم يذكر تعالى نظام الرجوع إليه وهو تدبير جانب المعاد من الخلقة ببيان جامع كاف لا مزيد عليه ويختم السورة بالحمد.
قوله تعالى: " الله خالق كل شئ " هذا هو الذي ذكر اعتراف المشركين به من قبل في قوله: " ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله " الآية 38 من السورة وبنى عليه استناد الأشياء في تدبيرها إليه.
والجملة في المقام تمهيد لما يذكر بعدها من كون التدبير مستندا إليه لما تقدم مرارا أن الخلق لا ينفك عن التدبير فانتقل في المقام من استناد الخلق إليه إلى اختصاص الملك به وهو قوله: " له مقاليد السماوات والأرض " ومن اختصاص الملك به إلى كونه هو الوكيل على كل شئ القائم مقامه في تدبير أمره.
وقد تقدم في ذيل قوله: " ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شئ " الانعام:
102 في الجزء السابع من الكتاب كلام في معنى عموم الخلقة لكل شئ.
قوله تعالى: " وهو على كل شئ وكيل " وذلك لان انتهاء خلق كل شئ وجوده إليه يقتضى أن يكون تعالى هو المالك لكل شئ فلا يملك شئ من الأشياء لا نفسه ولا شيئا مما يترشح من نفسه إلا بتمليك الله تعالى، فهو لفقره مطلقا لا يملك تدبيرا والله المالك لتدبيره.
وأما تمليكه تعالى له نفسه وعمله فهو أيضا نوع من تدبيره تعالى مؤكد لملكه غير ناف ولا مناف حتى أن توكيله الملائكة على شئ من الامر من شؤون وكالته تعالى عليهم لا تفويض للامر وإبطال للوكالة فافهم ذلك.
وبالجملة إذ كان كل شئ من الأشياء لا يملك لنفسه شيئا كان سبحانه هو الوكيل عليه القائم مقامه المدبر لامره والأسباب والمسببات في ذلك سواء فالله سبحانه هو ربها وحده.
فقد تبين أن الجملة مسوقة للإشارة إلى توحده في الربوبية وهو المقصود بيانه فقول بعضهم إن ذكر ذلك بعد قوله: " الله خالق كل شئ " للدلالة على أنه هو الغني المطلق وأن المنافع والمضار راجعة إلى العباد، أو أن المراد أنه تعالى حفيظ على كل شئ