قوله تعالى: " بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين " رد لها وجواب لخصوص قولها ثانيا: " لو أن الله هداني لكنت من المتقين " وموطن الجواب يوم القيامة كما أن موطن القول ذلك ولسياق الجواب شهادة عليه.
وقد فصل بين قولها وجوابه بقوله: " أو تقول حين ترى " الخ ولم يجب إلا عن قولها: " لو أن الله هداني " الخ.
والوجه في الفصل أن الأقوال الثلاثة المنقولة عنها مرتبة على ترتيب صدورها عن المجرمين يوم القيامة فإذا قامت القيامة ورآى المجرمون أن اليوم يوم الجزاء بالاعمال وقد فرطوا فيها وفاتهم وقتها تحسروا على ما فرطوا ونادوا بالحسرة على تفريطهم " يا حسرتا على ما فرطت " قال تعالى: " حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها " الانعام: 31.
ثم إذا حوسبوا وأمر المتقون بدخول الجنة وقيل: " وامتازوا اليوم أيها المجرمون " يس: 59 تعللوا بقولهم: " لو أن الله هداني لكنت من المتقين ".
ثم إذا أمروا بدخول النار فأوقفوا عليها ثم ادخلوا فيها تمنوا الرجوع إلى الدنيا ليحسنوا فيها فيسعدوا " أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة " قال تعالى: " ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين " الانعام: 27، وقال حاكيا عنهم: " ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون " المؤمنون: 107.
ثم لما نقل الأقوال على ما بينها من الترتيب أخذ في الجواب ولو أخر القول المجاب عنه حتى يتصل بالجواب أو قدم الجواب حتى يتصل به اختل النظم (1).
وقد خص قولهم الثاني: " لو أن الله هداني " الخ بالجواب وأمسك عن جواب قولهم الأول والثالث لان في الأول حديث استهزائهم بالحق وأهله وفي الثالث تمنيهم للرجوع إلى الدنيا والله سبحانه يزجر هؤلاء يوم القيامة ويمنعهم أن يكلموه ولا يجيب عن كلامهم كما يشير إلى ذلك قوله: " قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ربنا