اتباع هذه الخطابات يحيي الانسان حياة طيبة وينفخ فيه روح الايمان ويصلح أعماله ويدخله في ولاية الله تعالى وهي الكرامة ليست فوقها كرامة.
وقوله: " من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون " أنسب لهذا المعنى فإن الدعوة إلى عمل بالتخويف من مفاجأة الحرمان ومباغتة المانع إنما تكون غالبا فيما يساهل المدعو في أمره ويطيب نفسه بسوف ولعل، وهذا المعنى أمس بإصلاح الباطن منه بإصلاح الظاهر والآتيان بأجساد الأعمال، ويقرب منه قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه " الأنفال: 24.
قوله تعالى: " أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله " الخ قال في المجمع: التفريط إهمال ما يجب أن يتقدم فيه حتى يفوت وقته، وقال: التحسر الاغتمام مما فات وقته لانحساره عنه بما لا يمكن استدراكه. انتهى. وقال الراغب:
الجنب الجارحة. قال: ثم يستعار في الناحية التي تليها لعادتهم في استعارة سائر الجوارح لذلك نحو اليمين والشمال. انتهى. فجنب الله جانبه وناحيته وهي ما يرجع إليه تعالى مما يجب على العبد أن يعامله ومصداق ذلك أن يعبده وحده ولا يعصيه والتفريط في جنب الله التقصير في ذلك.
وقوله: " وإن كنت لمن الساخرين " " إن " مخففة من الثقيلة، والساخرين اسم فاعل من سخر بمعنى استهزء.
ومعنى الآية إنما نخاطبكم بهذا الخطاب حذر أن تقول أو لئلا تقول نفس منكم يا حسرتا على ما قصرت في جانب الله وإني كنت من المستهزئين، وموطن القول يوم القيامة.
قوله تعالى: " أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين " ضمير تقول للنفس، والمراد بالهداية الارشاد وإراءة الطريق، والمعنى ظاهر وهو قطع للعذر.
قوله تعالى: " أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين " لو للتمني والكرة الرجعة، والمعنى أو تقول نفس متمنية حين ترى العذاب يوم القيامة:
ليت لي رجعة إلى الدنيا فأكون من المحسنين.