كتم العدم إلى ساحة الوجود، وعالم الغيب والشهادة فلا يخفى عليه شئ، ولازمه أن يحكم بالحق وينفذ حكمه.
قوله تعالى: " ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة " الخ المراد بالذين ظلموا هم الذين ظلموا في الدنيا فالفعل يفيد مفاد الوصف، والظالمون هم المنكرون للمعاد كما قال: " أن لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون " الأعراف: 45.
والمعنى: ولو أن الظالمين المنكرين للمعاد ضعفي ما في الأرض من أموال وذخائر وكنوز لجعلوه فدية من سوء العذاب.
وقوله: " وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون " البداء والبدو بمعنى الظهور والحساب والحسبان العد، والاحتساب الاعتداد بالشئ بمعنى البناء على عده شيئا وكثيرا ما يستعمل الحسبان والاحتساب بمعنى الظن كما قيل ومنه قوله: " ما لم يكونوا يحتسبون " أي ما لم يكونوا يظنون لكن فرق الراغب بين الحسبان والظن حيث قال:
والحسبان أن يحكم لاحد النقيضين من غير أن يخطر الاخر بباله ويكون بعرض أن يعتريه فيه شك، ويقارب ذلك الظن لكن الظن أن يخطر النقيضين بباله فيغلب أحدهما على الاخر. انتهى.
ومقتضى سياق الآية أن المراد بيان أنهم سيواجهون يوم القيامة أمورا على صفة هي فوق ما تصوروه وأعظم وأهول مما خطر ببالهم لا أنهم يشاهدون أمورا ما كانوا يعتقدونها ويذعنون بها وبالجملة كانوا يسمعون أن الله حسابا ووزنا للأعمال وقضاء ونارا وألوانا من العذاب فيقيسون ما سمعوه - على إنكار منهم له - على ما عهدوه من هذه الأمور في الدنيا فلما شاهدوها إذ ظهرت لهم وجدوها أعظم مما كان يخطر ببالهم من صفتها فهذه الآية في وصف عذابه نظير قوله في وصف نعيم أهل الجنة: " فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين " السجدة: 17.
وأيضا مقتضى السياق أن البدو المذكور من قبيل الظهور بعد الخفاء والانكشاف بعد الاستتار كما يشير إليه قوله تعالى: " لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد " ق: 22.
قوله تعالى: " وبدا لهم سيئات ما كسبوا " إلى آخر الآية أي ظهر لهم سيئات